إلحـاد الأم تيريزامقال للأب: رانيرو كانتالاميزا ماذا حدث للأم تيريزا بعد ان إستجابت للوحى الإلهى الذى دعاها لتضع نفسها فى خدمة أفقر الفقراء؟لقدعرف العالم جيّداً بما كان يحدث حولها - التطّور الصاخب لأنشطتها الخيريّة - ولكن وحتى ساعة وفاتها، لم يكن أحد يعلم بما كان يعتمل فى دواخلها
لقدتم الكشف عن ذلك الآن فى مذكّراتها الشخصيّة وخطاباتها إلى مديرهاالروحانى، والتى قام بنشرها "دوبلداى" فى مناسبة الذكرى العاشرة لوفاتهاتحت عنوان: "الأم تيريزا، تعالى، كونى ضوءاً لى لقد أساء البعض وبشكلتام فهم طبيعة تلك الكتابات، معتقدين بأنّها سوف تُرغمنا على إعادة النظرفى شخصيّة الأم تيريزا ومدى إيمانها وقدسيّتها. وبعيدأً كل البعد عن تقويضالوضعيّة القدسيّة للأم تيريزا، فإنّ تلك الوثائق سوف تُدعّم تلك الوضعيّةبشكل كبير بحيث تضعها إلى جانب أعظم المتصوّفة المسيحيين الأب اليسوعى "جوزيف نيونر" والذى كان يعرفها كتب قائلاً: "عند بدء حياتها الجديدة فى خدمة الفقراء، أطبق الظلام عليها بقوة غاشمة فقرات قليلة كانت تكفى لإعطاء فكرة عن مدى كثافة الظلام الذى وجدت نفسها فيه "هنالكتناقض كبير داخل روحى، هنالك شوق عميق للرب، عميق بدرجة مؤلمة، معاناةمتّصلة -ومع ذلك لستُ مرغوبة عند الرب، مطرودة، وفارغة، بلا إيمان، بلاحب، بلا حماس ... السماء لا تعنى شيئاً بالنسبة لى، إنّها تبدو كمكانفارغ لم يكن من الصعوبة التعرّف من خلال تلك التجربة التى مرّتبها الأم تيريزا على تلك الحالة الكلاسيكية التى التى أطلق عليهاأحبارالتصوّف - فيما بعد القدّيس يوحنّا- إسم "ليل الروح الحالك ويقدّم "تولير" وصفاً رائعاً لتلك المرحلة من الحياة الروحانيّة قائلاً " الآن، نحن مُهمَلون إلى الدرجة التى لم تعد لدينا أى معرفة بالرب، ونسقُطفى الألم بحيث لا ندرى ما إذا كنّا بعد على الطريق الصحيح، أو ما إذا كانالرب موجوداً أم غير موجود، أو ما إذا كنّا أحياء أم أموات. ويخيّم عليناشعور غريب بالندم يدفعنا للتفكير بأنّ العالم بكلّ رحابته يضيّق عليناالخناق. لا تبقى لدينا أى تجربة أو معرفة بالرب، وحتى كل ماعدا ذلك يبدوكريهاً لدينا، فنبدو كأنّنا مسجونين بين حائطين كل ذلك يدعوالواحد منّا لأن يعتقد بأنّ تلك الظُلمة لازمت الأم تيريزا حتى مماتها، معفسحة قصيرة فى 1958 حين كانت قادرة على أن تكتب بحبور تلك الكلمات: "روحىممتلئة اليوم بالحب، وبالبهجة التى تفوق الوصف، وبوحدة للحب لا تنكسر فإنكانت هنالك فترة معيّنة لم تتطرق فيها لتلك الظُلمة، فذلك لا يعنى بأنّالليل كان قد انقشع، ولكنّها بالأحرى تعـوّدت على التعايش معه. وهى لمتتقبّل ذلك فقط، ولكنّها أدركت النّعمة غير العاديّة التى كان يحملها لها. قالت "لقد بدأت أعشق ظُلمتى لأنّنى الآن أصدّق بأنّها جـزء، جزء صغير جـدّاً من ظُلمة المسيح وآلامه فى الأرض صمت الأم تيريزاإنّ الزهرة الأكثر عطراً فى "ليل" الأم تيريزا كانت تتمثّل فى صمتها عنه لقدخافت من جذب الإنتباه إليها لو أنّها تحدّثت عنه. وحتى أولئك الناس الأقربإليها لم يساورهم أىّ شكّ حتى النهاية حول تلك العذابات الداخليّة للأم وبأوامرمنها، كان يتوجّب على مديرها الروحانى أن يدمّر كل خطاباتها. وإن تمّالإحتفاظ ببعضها فإنّ ذلك كان بسبب أنّها أذنت له بعمل نسخ منها لإعطائهالرئيس الأساقفة والكاردينال القادم "تى بيكاشيه"، والتى تمّ العثور عليهابعد وفاته. ولحسن حظّنا، فقد رفض رئيس الأساقفة الإنصياع لطلبها بتدميرتلك الخطابات إنّ الخطر الذى يتربّص بالروح فى "ليل الروح الحالك"، هوالتحقُّق من أنّه بالضبط ذلك الليل المظلم الذى عاش فيه من قبلها متصوّفةعظماء، وتُصبح بالتالى جزءاً من دائرة "الأرواح المُصطفاة." وبنعمةربّانيّة، تمكنت الأم تيريزا من تفادى ذلك الخطر، مُخفيـة عذابها عن أعينالجميع تحت إبتسامة دائمة وكتبت قائلة: "إنّها تبتسم كل الوقت -هذاما كانت تقوله الأخوات والناس- لقد اعتقدوا بأنّ إيمانى، وثقتى وحبّى تملأوجودى ... فهل كانوا يعلمون كيف أنّ إبتهاجى لم يكن سوى العباءة التى أحجبخلفها الفراغ والبؤس أحد الرهبان قال: "مهما كان حجم معاناتك، فقد انتصــرتِ عليها بالصمـت لقد قامت الأم تيريزا بتطبيق ذلك بشكل بطولى ليس مجـرّد "تطهير" فقطولكن، لماذا ظاهرة "ليل الروح" الغريبة تلك والتى تستغرق فعليّاً فترة حياة بأكملها؟ (نفسالشئ حدث لِ"بادرى بيو" من "بيتريكلينا - إيطاليا": لقد كان مُقتنعاً طوالحياته بأن الوصمات ليست علامات ميول أو قبول من جهة الرب، ولكن، على العكسمن ذك، فهى علامات رفضه هو، ومجرّد عقوبة ربّانيّة له على خطاياه وهنايجئ شئ جديد بالنظر لما عاشه المعلّمون القُدامى وقاموا بتفسيره، بمن فيهمالقدّيس يوحنّا. ذلك "الليل الحالك" لا يمكن تفسيره فقط من خلال فكرة "التطهير السلبى" التقليدية، والمعروفة بِ"الطريق التطهيرى"، والتى تُعتبرمرحلة إعداد لطريق الإستنارة والوحدانيّة الأم تيرزا كانت مقتنعة بأنّذلك كان بالضبط ما انطبق عليها: لقد اعتقَدَت بأنّ "الأنا" خاصّتها يصعبقهرُها، إن كان الرب محدود القُدرة إلى درجة أن يتركها فى ذلك الوضع طيلةكل تلك الفترة ولكنّ ذلك لم يكن صحيحاً فالّليل الطويللدى بعض القدّيسين الحديثين هو وسيلة للحماية أوجدها الرب لقدّيسى هذهالأيام الذين يعيشون ويعملون بشكل دائم تحت الأضواء الإعلاميّة. إنهبمثابة بدلة الأسبستوس لمن يتوجّب عليه المشى وسط النيران. إنّه المادّةالعازلة التى تمنع تسـرب التيّار الكهربائى حتى لا يتسبّب بحدوث تماسّات القدّيس بول قال: "وحتى أمتنع عن الشعور بالإبتهاج نتيجة لفيض الكشوفات، فقد غُرسَتْ لى شوكة فى لحمى" (2 الكورينثياس، 12:7 "الشوكةفى اللحم"، أى "الصمت الإلهى"، حفظت الأم تيريزا من أىّ "تسمّم" قد يحدثلها فى أوساط حديث العالم عنها، وحتى عند لحظة تسلّمها لجائزة نوبلللسلام قالت: "الألم الداخلى الذى أحسّ به، عظيم جدّاً إلى درجة أنّنى لا أشعر بأىّ شئ من كل ذلك الزخم الإعلامى وحديث الناس كمكان الكاتب والملحد "كريستوفر هيتشنز" مخطئاً عندما كتب: "الله ليسعظيماً. الدين يسمّم كل شئ،" ثمّ يقدّم الأم تيريزا على أنّها صنيعة العصرالإعلامى ولكن هنالك سبب أكثر عمقاً من وراء كون تلك الليالى تمتد لتشمل حياةً بأكملها، ذلك السبب هو: محاكاة المسيح إنّتلك التجربة الصوفيّة هى مشاركة فى "ليل الروح الحالك" التى مرّ بهاالمسيح فى "جيسمان" والتى مات عندها فى "كالفارى" وهو يصرخ: "إلهى، إلهى،لماذا تخلّيت عنّى؟ كانت الأم تيريزا قادرة على رؤية حالتها بشكل أوضح، وكأنّها إجابة على رغبتها فى مشاركة المسيح ظمأه وهو على الصليب قالت: "إذا كان ألمى ومعاناتى، وظلامى وإنعزالى، ستمنحك قطرة من العزاء، يامسيحى خاصّتى، فافعل بى ما تشاء ... إطبع معاناة قلبك على روحى وحياتى ... أريد أن أروى ظمأك بكل قطرة دم يمكنك أن تجدها عندى ... أرجوك، لا تتكبّدمشقّة العودة فى القريب. أنا مستعدّة لإنتظارك إلى الأبد إن من الخطأ الفادح الإعتقاد بأن كلّ حياة هؤلاء الأشخاص تمحورت حول الغمّ والمعاناة فهنالكعميقاً فى أرواحهم، تمتّع هؤلاء الأشخاص بطمأنينة وسرور لم يعرفهاالآخرون، مستفاة من اليقين الأقوى من كلّ شك، بكونهم تحت الإرادة الإلهيّة القدّيس "كاثرين" من "جنـوة"، يعتبرمعاناة الأرواح فى حالة -الليل الحالك- مشابهةلحالة "التطهير"، ويقول بأنّ الأخيرة "عظيمة جدّاً لدرجة يمكن مقارنتهافقط بالجحيم." ولكن فيهما كما يقول "إرتياح عظيم جدّاً" لا يمكن مقارنتهإلاّ بما يعيشه القدّيسون فى الجنّـة السـرور والصفاء الذّى إنبثق من وجه الأم تيريزا لم يكن"قناعاً"، وإنّما كان انعكاساً للوحدة العميقة مع الرب، حيث كانت روحها تسكن لقد كانت "هى" ذاتها من "خدعت" نفسها بشأن وضعها الروحانى، وليس الناس جنباً إلى جنب مع الملحدينالعالماليوم يعرف فصيلة جديدة من البشر: "الملحدون بإخلاص"، وهم أولئك الذينيعيشون الوضع المؤلم للصمت الإلهى. هم الذين لا يؤمنون بالإله، ولكنّهم لايتفاخرون بذلك. إنّهم بالأحرى يحسّـون بالألم الوجودى، وبانعدام المعنىلكلّ شئ. إنّهم أيضاً، وبطريقتهم الخاصّة، يعيشون فى "ليل الروح الحالك البرتكاموس أطلق عليهم إسم "القدّيسين الذبن لا إله لهم". إنّ المتصوّفين قدوُجدوا فوق كل شئ لأجل هؤلاء، فهم رفقاؤهم فى ترحالهم وفى موائدهم. وكماالمسيح، فإنّ المتصوّفين أولئك "جلسوا إلى موائد المُخطئين وأكلوا معهم" (أنظر لوك 15:2 وهذا يفسّر السبب وراء إنكباب بعض الملحدين -بعدتحوّلهم- بشغف على كتابات متصوّفين. فأشخاص مثل: كلوديل، بيرنانوس،الماريتينز، ل. بلوى، ج. ك. هيسمانس، وآخرون عديدون، إنكبّوا على كتابات "أنجيلا" من فولينجو-إيطاليا، و"تى إس إليوت"، و"جوليان النرويجيّة لقد وجدوا هناك مرّة أخرى، نفس المشهد الذى تركوه من قبل، لكنّه فى هذهالمرّة كان مشهداً مُضاءً بالشمس. القليلون يعلمون بأنّ "صمويل بيكيت"،مؤلف "فى إنتظار جودوت" وهى الدراما الأكثر تعبيراً عن "مسـرح السُخف"،كان يقرأ "القدّيس يوحنّا" فى أوقات فراغه عبارة "ملحد" يمكن أنيكون لها معنى موجِب، وآخر سالب. فهى يمكن أن تعنى أنّ شخصاً ما يرفض "الإله"، كما يمكن أن تعنى أنّ شخصاً ما -حسب تصوّر ذلك الشخص على الأقل- يعتبر نفسه مرفوضاً من قِبَل الإله. فى الحالة الأولى إلحاد يستحق اللوم (عندما لا يكون إلحاداً مُخلصاً). أمّا الحالة الثانية، فهى إلحاد الندم،أو إلحاد الكفّارة. فى الحالة الأخيرة، يمكننا القول أنّ المتصوّفة فى "ليل الروح" هم "مُلحدون"، وأنّ المسيح نفسه على الصليب، كان "ملحداً"،بلا إله هنالك كلمات للأم تيريزا ماكان أحد يظنّ أنّها لها "يقولونأنّ الناس فى الجحيم يعانون ألماً أبديّاً بسبب فقدانهم للإله ... فى داخلروحى أشعر بألم الفقدان هذا، وبأنّ الإله لا يريدنى، وبكون الإله ليسإلهاً، وبكون الإله ليس موجوداً فى الحقيقة. عيسى، أرجو المغفرة علىالإساءة ولكنّ الشخص يدرك الطبيعة المختلفة، للتضامن وللتكفير، ولإلحادها هذا "أتمنّىالعيش فى هذا العالم البعيد جدّاً عن الله، والذى يتّجه مبتعداً بشـدّة عننور المسيح، كى أساعدهم، ولكى أحمل على عاتقى عنهم شيئاً من معاناتهم الدلالةالواضحة على أنّنا أمام إلحاد ذو طبيعة مختلفة جدّاً ، هو تلك المعاناةالتى لا تُحتمل، والتى يتسبّب بها للمتصـوّفة. الملحدون العاديّون لايُعذّبون أنفسهم بسبب عدم وجود الإل لقد وصل المتصوّفة إلى مسافةخُطوة واحدة من عالَم أولئك الذين يعيشون بلا إله; لقد مرّوا بتجربةالتشويش الناجم عن إلقائهم بأنفسهم نحو الأسفل ومرّة أخرى، فالأمتيريزا التى كتبت لأبيها الروحانى: "لقد كنت عند حافّة النُطق بِ-لا- ... أشعر وكأنّ شيئاً سينكسر فى داخلى يوماً ما ... صلّى لأجلى لكيلا أرفضالإله فى هذه الساعة. أنا لا أريد أن أفعل ذلك، ولكنّنى خائفة من أنّنى قدأفعل ذلك ولهذا السبب، فإنّ المتصوّفة هم المنصِّـرون المثاليّون فى عالم ما بعد الحداثة، حيث يعيش الفرد وكأنّ الإله غير موجود إنّهميذكّرون الملحدين الأمناء بأنّهم ليسوا "بعيدين عن مملكة الإله"، وأنّهسيكفيهم فقط أن يقفزوا حتى يجدوا أنفسهم فى جانب المتصوّفة، عابرين من "اللاشيئيّة" إلى "الكلّيـّة لقد كان "كارل رانر" مُحقّاً عندما قال: "مسيحيّة المستقبل ستكون إمّا صوفيّـة، أو لا تكون على الإطلاق بادر بايو، والأم تيريزا، كانوا بمثابة التأكيد على تلك السمة من سمات العصريجب ألاّ "نُضيع" القدّيسين باختصارهم فى “موزّعى بركات”، أو كأمثلة فقط ليُحتذى بها رابط الموضوع الأصلى باللغة الإنجليزية http://www.ncregister.com/site/article/3762 |