بوليساريو مارست الاختطافات والاعتقالات وجمعت أفرادا من الشتات لتكوين 'شعب
28/12/2010دعت جمعية "ذاكرة وعدالة" الموريتانية جميع الحقوقيين والمسؤولين في المجتمع المدني والمناصرين لها للمشاركة في "قافلة العدالة"، التي ستنظمها باتجاه مخيمات البوليساريو، في تندوف، للمطالبة بإطلاق سراح معتقلين موريتانيين في سجونها، والكشف عن مصير المفقودين داخل هذه المعتقلاتوأعلنت الجمعية، التي تهتم بالبحث عن المفقودين الموريتانيين لدى البوليساريو، أن القافلة ستضم الضحايا وذويهم وأقارب المفقودين، وأنها تنوي التوجه نحو مخيمات البوليساريو والاعتصام المفتوح هناك "حتى الاستجابة لمطالب الضحايا، وحتى يعرف العالم أن هؤلاء الضحايا موجودون، وليسوا أشباحا يعملون لحساب جهة استخباراتية، كما يروج له بعض المسؤولين في قيادة البوليساريو، وأن "أولياء القتلى والمفقودين لم ينسوهم"، حسب بيان الجمعيةمعذبون ومفقودونتؤكد جمعية "ذاكرة وعدالة" أن العشرات من الموريتانيين "كانوا معتقلين بسجون بوليساريو بتندوف، جنوب غرب الجزائر، وتعرضوا، على أيدي الجلادين، ولسنين طويلة، لأبشع أنواع التعذيب والتنكيل". وشرعت الجمعية في مقاضاة قادة جبهة البوليساريو على خلفية تعذيب واختفاء عشرات الموريتانيين في مخيمات تندوف، حين هاجروا إليها بعد انتهاء الحرب، لكنهم عوملوا بقسوة، واتهموا بالتجسس لصالح موريتانيا والمغرب وحمّلت الجمعية جبهة بوليساريو كامل المسؤولية في كل ما عاناه مئات الموريتانيين، الذين ساقتهم الظروف إلى تندوف ليكونوا رهائن، وتمارس في حقهم مختلف أشكال العنف الجسدي والنفسي، دون أي مبرر. وتطالب الجمعية بتشكيل محكمة دولية للتحقيق في الانتهاكات غير الإنسانية، التي مارسها قادة جبهة البوليساريو في حق الموريتانيين، من أجل إنصاف الضحايا وذويهممذكرات المعتقلينيؤكد المسؤولون عن الجمعية أن الهدف من تأسيسها هو الجانب الإنساني البحت، بعيدا عن السياسة والمزايدات، وأن هدفها الأساسي هو البحث عن المفقودين لدى البوليساريو، والتعرف على الذين لقوا حتفهم في سجون تندوف، والتحقيق حول الاختفاأت القسرية للمفقودين الموريتانيين من مخيمات تندوف، أثناء الحرب بين موريتانيا وبوليساريو، وبعد توقيع اتفاق بينهما في غشت 1979ووثق عدد من العائدين من تندوف إلى موريتانيا معاناتهم داخل سجون قيادة البوليساريو، في مذكرات أشهرها "الهجرة إلى الشمال"، و"مذكرات عائد من الجحيم"، كما تحدث عنها محمد سعيد القشاط، السفير الليبي السابق في السعوديةويقول الموريتانيون، الذين فروا من سجون تندوف، والذين أطلق سراحهم، إن عددا كبيرا من الشباب الموريتانيين، الذين تأثروا بفكرة تأسيس دولة جديدة، أو الذين اختطفتهم بوليساريو، لتوهم العالم أن لديها شعبا وتعدادا سكانيا كبيرا، ماتوا تحت التعذيب في سجون البوليساريو، وآخرين دفنوا أحياء في سرداب، ومورست عليهم أفظع صور التعذيب والتنكيل والإهانة، بلا ذنب ارتكبوهفي هذا الحوار، الذي أجرته "المغربية" مع أمين عام جمعية "ذاكرة وعدالة"، محمد فال ولد القاضي، نكتشف ضحية أخرى للبوليساريو، عانت التعذيب والإهانة، وتأخر الكشف عنها بسبب طيبة الموريتانيين وتسامحهم، وعلاقتهم القوية بالصحراويين، لكن إصرار البوليساريو على إدارة ظهرها للحقيقة، ورفضها الاعتذار للضحايا، وإطلاق سراح باقي المعتقلين، دفع بعضهم إلى تشكيل جمعية "ذاكرة وعدالة"، التي تفضح وجها قبيحا للبوليساريو، أكثر قبحا مما كنا نعتقد، لأن الضحايا أبرياء ومحايدون في الصراع، وذنبهم الوحيد أنهم اقتنعوا بفكرة الثورة، وشهادتهم لا غبار عليها، فالتعذيب واضح على أجسادهم، وليس لهم مصلحة في "تشويه سمعة بوليساريومصممون على القافلة مهما كانت النتيجة* أعلنتم عن تنظيم قافلة إلى تندوف، ما هي آخر أخبارها، ومتى ستنطلق؟بعد الإعلان عن تنظيم القافلة، يوم 28 أكتوبر الماضي، باشرت لجنة، شكلت لهذا الغرض، عملها، وهي الآن تعكف على إعداد رسائل، لتوجيهها إلى المنظمات الحقوقية والإنسانية المحلية والدولية، كما تعد استمارات للمشاركين في القافلة، وفوجئت، شخصيا، بحكم عضويتي في هذه اللجنة، بمدى التجاوب مع الدعوة للمشاركة في القافلة، إذ فاق عدد المسجلين، حتى الآن، العدد الذي كان مقترحا للمشاركة، وقدمت اللجنة اقتراحا إلى المكتب التنفيذي لجمعية ذاكرة وعدالة بدعوة كل المشاركين إلى حضور مؤتمر الجمعية الأول، الذي كان مقررا أن يعقد قبل نهاية السنة، ونشرت بيانا بهذا الصدد. وفي ما يخص انطلاق القافلة، فإن التاريخ المقترح حتى الآن هو يوم 25 دجنبر المقبل، إلا إذا طرأ جديد يتطلب تغيير هذا التاريخ* ألا تخشون عواقب هذه الخطوة؟ وهل تتوقعون أن تمنعكم السلطات الموريتانية، بداعي الخوف على حياة المشاركين؟ لا شك أن الخشية من عواقب خطوة كهذه واردة خاصة وأنها تتعلق بمسألة يراد لها أن تقحم ضمن الإكراهات السياسية المرتبطة بموقف دولتنا من نزاع، كنا نحن أحد ضحاياه، هذا الموقف، الذي يريد له البعض، هو الآخر، أن يظل محل شك، كما أن الخشية تبقى حاضرة، بالنظر لانعدام ثقة الضحايا في الطرف الآخر، أو، على الأقل، في بعض أجنحته، وصعوبة تخمين ما قد يقدم عليه من عمل غير محسوب النتائج. إلا أننا، مع ذلك، مصممون على خوض غمار هذه التجربة، مهما كانت النتيجة، فقد نمنع وقد نعتقل، وقد يكون الأمر أسوأ من ذلك، لكن، من الناحية المعنوية، لن يكون أسوأ مما ارتكب في حق الضحايا ظلماأما في ما يخص توقعنا لمنع السلطات الموريتانية لنا، خوفا على حياتنا، فإننا نعتبر ذلك حقنا عليها، كما أنه من واجبها نحونا أن تساعدنا في استعادة كرامتنا، التي هدرت وألا تقف في وجهنا، لتساعد بذلك على ألا يظل جلادونا يتمتعون بحريتهم، والضحية يبتلع ألمه من هذه الحرية* الإسهام في كشف الحقيقة وإنصاف المظلوم مسؤولية الجميع، لماذا تتجاهل السلطات الموريتانية معاناتكم؟ ولماذا لا نرى اهتماما كبيرا من المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية بقضيتكم؟ رغم حجم فظاعة المأساة، التي عشناها، ورغم طابعها الإنساني، ورغم واجب السلطات تجاه كل مواطنيها، فإن الاهتمام بها ما زال شبه معدوم، لا من طرف السلطات ولا من طرف منظمات المجتمع المدني، مع أننا طرقنا جميع الأبواب ذات الصلة بالموضوع، هذا إذا استثنينا بعض التعهدات من مفوضية حقوق الإنسان، واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، لكنها ما زالت لحد الساعة مجرد تعهداتقد يقول قائل إن عدم الاهتمام هذا أمر طبيعي، لأننا نتحمل مسؤولية ما تعرضنا له بالتحاقنا طواعية بجبهة البوليساريو، في الوقت الذي انسحبت موريتانيا من الصراع، والتزمت مبدأ الحياد، لكنني أريد أن أنبه إلى مسألتين إن مبدأ الحياد في تلك الفترة (عهد ولد هيداله) كان مغالطة كبيرة، فهناك الكثير من الشهادات تثبت الدور، الذي لعبه بعض المسؤولين والمتنفذين في تعبئة وإرسال الشباب الموريتاني للانضمام إلى صفوف البوليساريو، وكان هذا الشباب أرضية صالحة لزرع الأفكار "الثورية"، التي تجنح إلى العنف كوسيلة للتغيير، إضافة إلى أن مبدأ الحياد لم يكن لينجح في تلك الفترة، نظرا للمشاعر، التي كانت يومها متجذرة في أوساط الشباب الموريتانيين، بضرورة التحرك لنصرة إخوانهم الصحراويين، الذين كانوا يرون أن ما يجمعهم بهم أكثر مما يفرقهمإن البعض من الموريتانيين تعرضوا لانتهاكات، على خلفية أعمال مارسوها ضد الدولة وثوابتها، وحتى أمنها، ومع ذلك وقع إنصافهم والاعتراف بهملا أقول إنه لم يعترف بنا، بالمعنى الحسي للاعتراف، فنحن جمعية قائمة، ومرخص لها من السلطات، وأصبح لها صدى في بعض الأوساط، إن ما أعنيه هو أن بشاعة مأساتنا لم تلق، بعد، الاهتمام، الذي تستحقه من السلطات والمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، إلا أننا، مع ذلك، متفائلون عدالة قضيتنا، ومؤمنون بأنه ما ضاع حق وراءه مطالب، ونحن جادون في مطلبنا* ما هي أهداف جمعية "ذاكرة وعدالة"، ولماذا تأخر تأسيسها؟جمعية "ذاكرة وعدالة" هي جمعية كسائر الجمعيات، التي تعمل في المجال الحقوقي والإنساني، ومن بين أهدافها المرحلية، التي تأسست على خلفيتها، العمل على تشكيل محكمة دولية للتحقيق في الانتهاكات اللا إنسانية، المرتكبة من طرف قيادة البوليساريو في حق المتطوعين الموريتانيين في صفوفها، قصد الوصول إلى أ ـ الكشف عن مصير المفقودين، وتسليم رفات القتلى لذويهمب ـ تحديد المسؤولين عن تلك الانتهاكات، وتقديمهم للمحاكمة، لينالوا جزاءهم.ج ـ تقديم اعتذار رسمي للضحايا وذوي الضحايا، ومن خلالهم، إلى الشعب الموريتاني، ثم التعويض المادي للضحايا عما لحق بهمأما عن تأخر تأسيس الجمعية، فتلك قصة طويلة، مرت بمحطات عدة، جلها خارج عن إرادة الضحايا، فبالإضافة إلى قوة الصدمة والرعب، اللذين ظلا يلازمان الضحايا سنوات عديدة، ويحولان دون ثقتهم بكسر الحاجز النفسي الناتج عنهما، هناك ما يمكن أن نسميه العامل السياسي، فمن المعروف أنه، خلال فترة من الفترات، كانت أي مناهضة لقيادة البوليساريو تعتبر من المحرمات، لحسابات سياسية معروفة لدى الجميع (دعم ولد هيداله للبوليساريو)، هذا بالإضافة إلى ثقافة حقوق الإنسان، التي كانت ضيقة الانتشار في المنطقة ككل، ومحدودية هامش الحرية، حتى في مجال حقوق الإنسانكل ذلك شكل عوامل التأخير في إعلان الجمعية، ولا بد من ذكر أن ملف الجمعية عطل مرات عدة في طريق الإجراأت، بل إنه اختفى في إحدى المرات في آخر مراحله، قبل أن يصل إلى وزير الداخلية، ولا شك أن هناك من له مصلحة في هذا الاختفاء* هل ترى أن قيادات البوليساريو قادرة على الاستجابة لمطالبكم؟ وهل ترى أنها تفهم ثقافة الاعتذار وجبر الضرر ومعاقبة المسؤولين عن معاناة وعذابات الموريتانيين؟ خلال الفترة الماضية، جرت اتصالات، مباشرة وغير مباشرة، بيننا وبين بعض المسؤولين في قيادة البوليساريو، وأعربوا عن استعداد الأخيرة لتسوية الملف، بالشكل الذي يرضي الضحايا وذويهم، لكن، عندما بلغت هذه الاتصالات مرحلة الجد، اتضح أن ذلك الاستعداد لم يكن جديا، ما يعطي الانطباع بأن ثقافة حقوق الإنسان وجبر الضرر ما زالت لم تدخل قاموس قيادة البوليساريو* كيف جاءت فكرة الرحيل إلى مخيمات بوليساريو؟ أعتقد أن فكرة الرحيل جاءت نتيجة تضافر مجموعة من العوامل، منها عفوية وحماسة الشباب، التي تأتي، أحيانا، بشكل ارتجالي، والعامل العاطفي، المتمثل في الإحساس بالروابط والقواسم المشتركة بين الصحراوي والموريتاني، يضاف إلى ذلك أنه كانت تسود الساحة الوطنية، خاصة في الوسط الطلابي، ما يمكن أن نسميه موضة "الثورة"، التي كانت إحدى سمات المد اليساري، الذي اجتاح العالم في تلك العقود. لكنني أعتقد أن العامل العاطفي كان الأكثر حضورا، رغم الوعي النسبي في أوساط الشباب تلك الأيام، بدليل أن موجات الالتحاق بالمخيمات لم تكن بتشجيع من التيارات والحركات السياسية، التي كانت قائمة يومها في المشهد السياسي الموريتاني* وكيف كانت الرحلة والاستقبال هناك؟كانت رحلة شاقة بكل المقاييس، لكنها بالنسبة لنا كانت البداية لرحلة من المعاناة، ما زلنا نعاني حتى الآن أوجاعها. أما بالنسبة للاستقبال، فقد اختلف في شكله ومضمونه، فعلى المستوى الشعبي، استقبلنا النساء والرجال الصحراويون مثلما يستقبلون أولادهم، وأكثر، فلم نحس يوما أننا غرباء بينهم، كانوا يتقاسمون معنا كل شيء، بل ربما كانوا يؤثروننا على أنفسهم، لكرم يبدو أنهم جبلوا عليه، ولتقدير ما نفعله لأجلهم. أما الآخرون، أقصد الجلادين، فكانوا، أيضا، كرماء معنا، لكن بطريقتهم، فلم يبخلوا علينا بأي لون من ألوان التعذيب والإذلال عرفهما مجرمو العالم، لكنهم يعرفون المثل الكوبي، الذي يقول "كل يرمي بما في يده* بعد كل هذه السنوات، بماذا تفسر ما تعرضتم له؟ بعبارة أخرى، لماذا اعتبرت بوليساريو الموريتانيين جواسيس؟يعتقد البعض أن اعتبارنا جواسيس يكمن في أننا، ببساطة، موريتانيون، ويجب علينا دفع جزء من فاتورة الحرب. وأعتقد، بالإضافة إلى هذا، أن هناك ما هو أعمق من ذلك، فبالإضافة إلى ما سيظهر في ما بعد أنها خلافات عميقة داخل قيادة بوليساريو، تستدعي اختلاق خطر خارجي لإلهاء القاعدة الشعبية عن هذه الخلافات، هناك المفاجأة، التي أربكت بعض أجنحة هذه القيادة، وهي وجود هذا الكم الهائل من الشباب الناضج المثقف (بمعيار تلك الأيام)، فرأت فيه تهديدا لمواقعها، ثم بدأت تنظر لفكر جديد يظهر هذا الشباب كالخطر الداهم، لما أدخله من مظاهر دخيلة على المجتمع الصحراوي "النموذجي"، الذي يريدون بناءه، وشنوا حملاتهم ضد كل مظاهر الحياة الموريتانية، من ملبس وموسيقى، إلى غير ذلك من عادات. ولعلهم نسوا، أو تناسوا، أن ما يحرضون ضده هو دليل إثبات هوية هذا المجتمع، الذي ينشدون، ولو لم ينتبه الصحراويون، ولو متأخرين، لكان هؤلاء خلقوا منهم مجتمعا لقيطا، ومن هذه النظرية، استنتج "المنظرون" خطورة الموريتانيين، وبدأوا حملة اعتقالات طالتهم كلهم، ضمن مسرحية أطلق عليها حينها "الشبكة الموريتانية الفرنسية للتخريب والجوسسة"* كم دامت فترة اعتقالكم، وكيف حصل إطلاق سراحكم؟فترات الاعتقال تراوحت ما بين 4 إلى أكثر من 7 سنوات، وأطلق سراح آخر دفعة بعد أحداث 1988 في المخيمات، التي طالب فيها المتظاهرون بإطلاق سراح كل المعتقلين، وهو ما حصل بالفعل* كيف كانت يومياتكم في الزنزانة؟أجمل تلك الذكريات، كانت حين يفقد الواحد منا وعيه من شدة التعذيب، فلا يعود يرى وجوه تلك الوحوش الآدمية وهي تتسلى بتعذيبه، ولك أن تسألي أيا من الضحايا، وهم موجودون، وستعرفين أن تلك كانت أجمل الذكريات* وماذا عن معاناة المعتقلين السابقين في سجون البوليساريو؟ كيف كانت معاناتهم ومقاومتهم لأشكال البطش والتعذيب الجسدي والنفسي؟ هل لكم أن تصفون صور التعذيب والتنكيل والإهانة، التي مورست ضدكم؟مهما وصفت، فلن تصدقي، ولا أظن أن غيرك سيصدق، إلا الذين عاشوا تجربة مماثلة، مع أنه لا مثيل لتجربتنا، لكنني، مع ذلك، سأحاول نقل بعض الصور لتري، ويرى القارئ، كم كان الأمر فظيعاـ هل يمكن أن تتصوري مقدار الإهانة، الذي يلحقه التهديد بالاغتصاب لرجل، خاصة عندما يكون في مرحلة الشباب؟ـ هل يمكن أن تتصوري كم هو مؤلم وجارح للكرامة أن يخبر جلاد قذر ضحيته بأنه مارس الفاحشة مع زوجته؟ـ هل يمكن أن تتخيلي مدى الصدمة التي يصاب بها رجل خرج من السجن ليجد زوجته قد أنجبت من رجل آخر بعد أن أوهموها بأنه مات؟تلك صور بسيطة من التعذيب النفسي، وإن شئت، أمنت لك مقابلة مع بعض أصحابها، أما عن التعذيب الجسدي، فلا يمكن تشبيه الصور إلا بأفلام الرعب. وإن كنت ترين الأمر مبالغا فيه، فهل يمكن أن تتصوري شخصا يحول جسده إلى لوح للكتابة بالنار، وتستعمل أجفانه رمادة لإطفاء أعقاب السجائر؟ إنه جاري، وإن شئت قمنا له بزيارة. وهل يمكن أن تتصوري شخصا يعلق بالسقف وهو موثوق اليدين وراء الظهر، ثم تغرز حقنة في وريده ويترك دمه ينزف حتى يفارق الحياة؟ كان سيتبعه الشاهد، لولا لطف الله في آخر لحظة، وهذا الشاهد موجود، ويمكن أن يروي لك القصة كاملة، لكن ليس قبل أن تنامي، إذا كنت ممن يخافون الكوابيس. وهل يمكن أن تتصوري أن هذا الشاهد ما زال يحتفظ بصورة فوتوغرافية لأسنانه، التي هشمت عمدا في السجن، قبل أن يركب طقم أسنان مكانها، وهو ليس الوحيد، ففي هذه المدينة وحدها (نواكشوط)، يوجد ثلاثة من الضحايا وقع تهشيم أسنانهم وهم شباب، لا لشيء سوى قوامهاوالصور السابقة، التي ذكرتها، جزء بسيط من تلك المعاناة، أما عن المقاومة، فلم يكن ثمة مجال لها* هل جميع الضحايا منضوون تحت لواء جمعية ذاكرة وعدالة؟نعتقد أن أغلب الضحايا، الذين أمكن حصرهم حتى الآن، منضوون تحت لواء الجمعية، باستثناء مجموعة من أولياء الضحايا، قد تصل إلى عشرة أشخاص، يتميزون بأنهم ينتمون إلى أسرة واحدة تقريبا، قرروا تشكيل جمعية ثانية، إلا أننا على صلة وثيقة بهم، لاشتراكنا في المعاناة والأهداف نفسها* من تعتبره الأكثر تعرضا للتعذيب بين السجناء، ومن هو المعتقل الذي أمضى أطول فترة اعتقال؟يمكنني القول بصعوبة تحديد من الأكثر تعرضا للتعذيب، إلا انطلاقا من آثار التعذيب البادية على أجساد الضحايا، إذ يحتل بعض الإخوة المراتب الأولى، أذكر منهم محمد ولد خطره، ومحمد سالم ولد عابدين، وسيد أحمد ولد آشليشل، وأحمد بزيد ولد يده، ومحمد المختار ولد بوحبين، ومحمد فال ولد النعمةأما بالنسبة لأطول فترة اعتقال، فهناك مجموعة قضت في المعتقل أكثر من سبع سنوات، كان آخرهم خروجا هو الأخ العزيز، سيد أحمد آشليشل، الذي تقبلت فيه العزاء قبل خروجه من السجن، فقد أثبت لي أحدهم أنه مات تحت التعذيب، إلى أن دخل علي "عفريته" بعد ذلك بثلاث سنوات* لمن توجهون تهمة تعذيبكم في السجن؟رغم أن لدينا لائحة لبعض الذين نتهمهم، فإننا نعتبر المسؤولية عن سجننا وتعذيبنا مسؤولية جماعية، تتحملها قيادة البوليساريو، وعلى العموم، فإن تحقيق المحكمة، التي نطالب تشكيلها، هو الذي يمكن أن يحدد المسؤولية المباشرة وغير المباشرة* بكم تقدرون عدد الذين ماتوا جراء التعذيب من الموريتانيين ومن الصحراويين في فترة اعتقالكم؟إنهم بالعشرات، ولم نقف بعد عند رقم محدد، فما زلنا نجمع المعلومات، فالذين أعرفهم معرفة شخصية من الموريتانيين وماتوا تحت التعذيب، يمكن أن يعطوك صورة مروعة عن العدد الحقيقي مع العلم أن علاقاتي لم تكن واسعة، وأذكر من بين هؤلاء: (باب ولد الشيخ، أحمد فال ولد ابهاه، محمدن ولد أحمد يامر، محمد موسى ولد المختار، تغره ولد باباه، محمد ولد الناجم، عالي ولد آشليشل، وعبد العزيز ولد هيدالةأما بالنسبة للصحراويين، فأعتقد أنهم أكثر بكثير، حسب ما أصبح متداولا في جميع الأوساط الصحراوية* طالبتم بتشكيل محكمة دولية للتحقيق في الانتهاكات التي تعرضتم لها، في حال ما إذا حصل ذلك، بكم تتوقعون أن يحكم على المسؤولين عن هذه الانتهاكات، بعبارة أخرى، مالذي يرضيكم لمعاقبة الجلادين؟المسألة ليست بالنسبة لنا قضية تشف أو انتقام، فقد كان من الممكن أن نصفح، لو أن هؤلاء طلبوا الصفح، واعتبرونا بقايا البشر الذين بطشوا بهم، وبالتالي، فنحن نقبل بأي حكم يصدر بحق من ثبت تورطه منهم، شريطة أن يكون بناء على تحقيق دقيق ومستقل* ألا تعتقدون أن مطالب جمعيتكم تتعارض مع مصلحة موريتانيا وعلاقاتها الخارجية؟من مصلحة موريتانيا أن تسود العدالة بين مواطنيها، ولا يكون بينهم من يشعر بأنه اضطهد وتخلت عنه دولته، ثم إنني لا أجد علاقة بين الأمرين، وهذه العلاقات أعتقد أنه يجب توظيفها لخدمة المواطن، لا أن تكون ذريعة الإضرار بها حاجزا تضيع وراءه حقوق هذا المواطن* ما هي الأوضاع في المخيمات حين كنتم معتقلين بمقارنتها مع الأوضاع الحالية؟يومها، كانت شبه معسكرات مغلقة، وبحكم انقطاع الصلة بيننا وبينها، لا يمكننا تقييم أوضاعها، إلا أن هناك بعض المؤشرات تدل على أنها ليست بأحسن حال* ما حقيقة ما يقال عن الاختطافات والاعتقالات العشوائية، التي نفذتها بوليساريو في حق الموريتانيين في ازويرات وانواذيبو والمناطق الشمالية من أجل تكوين شعب؟تلك حقيقة لا مراء فيها، ومعروفة لدى الكل، وما يعرف بمخيم "اجديرية" يشهد على هذه الحقيقة، فقد كان أغلب سكانه من الموريتانيين، الذين جرى اختطافهم من المدن والبوادي في الشمال، ومن المفارقات، التي حصلت لي شخصيا، أنني كنت أحسب نفسي الوحيد في المخيمات من القبيلة، التي أنتمي إليها، في الوقت الذي كان ابن عمي ووالدته وابنة عمي بين المختطفين، وسلبوا 116 رأسا من الإبل كانت بحوزتهم، ولم آخذ خبرا بهذا الأمر إلا بعد رجوعي* بناء على شهادات الضحايا، تحدث بعضهم عن دور الانتماأت القبيلة في ما تعرضوا له، هل هذا صحيح؟هذا ما صدر مني وأنا في السجن، حين سألوني عن قبيلتي، في وقت كانوا يدعون التجريم بمجرد النطق بلفظ "قبيلة"، ومن حسن حظي، أن قبيلتي لم تكن من القبائل التي سبق أن "عادتهم"، حسب تعبير الجلاد الذي سألني* من بين العائدين إلى المغرب، هناك نزلاء عاشوا مرارة الاعتقال والتعذيب مثلكم، هل تتواصلون معهم؟المناسبة الوحيدة، التي تواصلنا فيها مع بعض هؤلاء، كانت في أبريل الماضي بمدينة آسا المغربية، حيث التقينا ببعض من كانوا يعرفون بمجموعة "اكليبات الفولة"، الذين كانت لهم قصة طريفة مع الضحايا الموريتانيين، فهؤلاء ظلوا في السجن من أواخر 1975 إلى أن خرجوا مع كل المعتقلين نهاية الثمانينات، وفي سنواتهم الأخيرة في السجن، كانوا يجبرون على حراسة الموريتانيين وضربهم بالسياط، لكن الكل كان يعرف أنهم مجبرون، لأنهم سجناء مثل الجميع* لماذا لم تفكروا في دخول المغرب، والاستفادة من الامتيازات، كما فعل الكثير من الموريتانيين؟أولا، باستثناء المجموعة، التي أطلق عليها في ما بعد الإعلام المغربي اسم "فضيحة آكجيجيمات"، لا أعتقد أن الموريتانيين، الذين عادوا للمغرب، يمكن وصفهم بالكثيرين، وثانيا، نحن التحقنا بالبوليساريو كموريتانيين، وعندما عدنا اخترنا العودة إلى موريتانيا، فالقناعات تختلف من شخص لآخر، كما أعتقد أنه، من الناحية الأخلاقية، لا يحق لنا العودة إلى المغرب طلبا لامتيازات ليست من حقنا، ولا نقدم مقابلها سوى أننا كنا في صفوف بوليساريو. قد يكون ذلك من حق الصحراوي، لكن بالنسبة للموريتانيين، أعتقد أنه غبن وجشع* هل تفكرون في الاستعانة بشهادة بعض السياسيين والعسكريين من الجزائر وليبيا، للتأكيد على معاناتكم، أمثال السفير الليبي محمد سعيد القشاط، الذي ذكر في مذكراته "الأسراب الجانحة"، ما اقترفته بوليساريو تجاهكم، وأبدى ندمه على إيصال مجموعات من الشباب الموريتاني إلى تندوف؟لدينا أسماء بعض الضباط الجزائريين، الذين حضروا بعض جلسات الاستنطاق، وكانت لهم ملاحظات حول براءة الضحايا، غير أن تلك الملاحظات لم يأخذها المعنيون في قيادة البوليساريو بعين الاعتبار، وهؤلاء الضباط، بالطبع، تهمنا شهادتهم إذا ما وفقنا في الاتصال بهم، أما السفير الليبي، فرغم أن عذره أقبح من الذنب، إلا أنه، على الأقل، وفر لنا شهادة مكتوبة، يمكن أن تدعم موقفنا* متى ستصدر مذكرات "الهجرة إلى الشمال"، التي توثق فيها ذكرياتك ومعاناتك داخل سجون قيادة بوليساريو؟إذا عدت سالما من قافلة العدالة، ولم يتخل عني الناشر، وهو فاعل خير، فإنني برمجت أن تنزل مع نهاية الامتحانات الختامية للسنة الدراسية الجارية، كي أقدمها هدية للحسن الصغير (طفله)، فقد عودني على الرتب الأولى، ولم يسبق لي أن قدمت له شيئا على تفوقه، وأريد له أن يكون أول من يقرأ ما جناه أبوه على نفسه، عله يقيه من الاكتواء بنار الشعارات البراقة، التي احترقت أنا بلهيبها