جاب الله: إنقاذ الجزائر يتطلب إصلاحات شاملة وعميقة
دعا الشيخ " عبد الله جاب الله " الرئيس السابق لـ"حركة الإصلاح الوطني" ذات التوجهات الإسلامية النظام الجزائري، إلى مباشرة ما وصفها ب " إصلاحات شاملة و عميقة "، تشمل كل المجالات، وعلى الأخص المجال السياسي، وقال بأن نظام الحكم في الجزائر أمام خيارين لا ثالث لهما، "إما أن يباشر إصلاحات شاملة و عميقة، فيجنب البلاد ما قد يتهددها من مخاطر، و إما أن ينتظر أن يحدث في الجزائر ما حدث في تونس أو في مصر "، مشيرا إلى أن " بؤر التوتر تعد بالآلاف في الجزائر، الأمر الذي قد يتحول إلى تيار جارف و انتفاضة عارمة " بحسب كلامه كما سلط القيادي الإسلامي البارز، في اللقاء الذي جمعه ب "إسلام أون لاين " الضوء على عدد من القضايا، سيما المتعلقة بمستقبله السياسي بعد إزاحته من على رأس " حركة الإصلاح الوطني "، حيث أنه أكد سعيه لاسترجاع الحركة، وفي حال عجزه عن تحقيق مراده، فسيعلن عن ميلاد حزب جديد أما بخصوص الوضع الراهن للحركة الإسلامية في الجزائر، فلا يزال الشيخ " عبد الله جاب الله " يعتقد بأن " التيار الإسلامي هو التيار الأقوى في الجزائر "، مؤكدا أن " النظام الجزائري لم يفلح في تقزيمه وتشويه صورته لدى الرأي العام"، مهونا في ذات الوقت من "الانشقاقات "، التي يعرفها التيار الإسلامي، قائلا بأنها " مصنوعة من قبل النظام "، وأن الشارع الجزائري " لم يتأثر بها، و لازال يلتف حول المشروع الإسلامي ورموزه الحقيقيين بداية... ما هو تقييمكم للوضع الراهن في الجزائر؟ بسم الله الرحمن الرحيم... الوضع بشكل عام ليس على ما يرام، الشعب الجزائري الذي ناضل كثيرا من أجل أن يعيش حياة أفضل من التي يعيشها، وجد نفسه بعد عقود من الزمن، يعيش أزمات مختلفة... ففي الميدان السياسي هناك أزمة حقيقية تتمثل في الغلق التام للمجال السياسي من طرف النظام، و التضييق على الحريات الفردية و الجماعية، واصطفاء مجموعات من الذين قبلوا الترويض و جعلوا من أنفسهم أدوات ليس لها من دور إلا أن تزكي سياسات الحاكم و النظام وأن تبيض ممارساته... وفي الميدان الاقتصادي يعيش الشعب دون المستوى الذي ينبغي أن يعيشه، بما يتماشى ومستوى الدخل القومي للبلاد، فهناك نسبة عالية جدا من الجزائريين تعيش دون مستوى حد الفقر، المقرر والمحدد عالميا، هناك نسبة عالية من البطالة، هناك انتشار كبير جدا لأنواع الفساد المختلفة في طليعتها الفساد المالي والفساد الخلقي والفساد السلوكي، هناك فوارق كبيرة في الدخل بين الموظفين، فدخل من يصنفون بالإطارات العليا في البلاد كبير جدا، أما البقية فدخلهم لا يغطي مصاريف حياتهم لأسبوع أو عشرة أيام... في الجانب الاجتماعي هناك ضعف كبير في التكفل بأهم ملفات الحياة الاجتماعية، و أخص بالذكر ملف الفئات الضعيفة و المحرومة، وملف الشباب، وملف الطفولة، و ملف الصحة، و ملف المرأة، و ملف الأمومة، و ملف السكن... صحيح أن هناك جهد مبذول في مجال السكن من طرف النظام و لكنه دون المستوى المطلوب، و لا يلبي حاجيات سائر المواطنين... إذاً على الجملة هذه الأوضاع جعلت البلاد تعرف آلاف بؤر التوتر خلال السنة، في كل يوم نشهد تحركات شعبية رافضة، مطالبة بحقوقها في بلديات مختلفة البعض يخرج من أجل البطالة، و البعض يخرج من أجل الغاز، البعض من أجل الكهرباء، و البعض يخرج من أجل الطريق... و أخشى أن يأتي اليوم الذي تتحد فيه هذه البؤر فتتحول إلى سيل جارف، كالذي حصل في تونس وفي مصر، هذا ما نرجو من النظام أن يتفطن له، و أن يعمل على تدارك أخطائه المختلفة -على ذكر ما حدث في تونس و مصر... هل هناك أوجه تقاطع في الأسباب التي أدت إلى نشوب تلك الثورات و بؤر التوتر التي تحدثت عنها، أم أن الوضع في الجزائر يختلف تماما؟ الجزائر عرفت أحداثا قبل أن تعرفها تونس و مصر وهذا ابتداء من سنة 1988، و لكن النظام لم يحسن التعاطي معها، و لم يصدق أيضا في التعاطي معها، فبعد أحداث 88 تظاهر بأنه قد فهم مطالب الناس، فذهب فيما سمي بالانفتاح السياسي، و لكن بعد سنوات عدة اكتشف الشعب الجزائري أن النظام قد تحايل عليه والتف حول انتفاضته، وأن الطرف الذي استفاد من كل تلك الأحداث إنما هو التيار التغريبي العلماني، وأن الطرف الخاسر إنما هو التيار الإسلامي، إلا أن النظام بعد ذلك بسبب عجزه في التكفل بانشغالات المواطنين، وبسبب غلقه المجال السياسي، و بسبب غياب العدل في سياسة الأجور، و سياسة الضرائب و الرسوم، و السياسات الزراعية أيضا، و التجارية و الصناعية و ما إلى ذلك، تسبب في وجود فيما سبق وأن أشرت إليه من بؤر التوتر تعد بالآلاف، قد يتحول الأمر - لا سمح الله - إلى تيار جارف وانتفاضة عارمة - ألا ترون بأن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطة والمتعلقة برفع حالة الطوارئ، ودعم سياسة التشغيل والسكن، كفيلة باحتواء حالة الاحتقان التي يشهدها الشارع الجزائري حاليا؟ - رفع حالة الطوارئ كان مطلبا لجميع القوى السياسية في البلاد، وهذا منذ أن فرضت حالة الطوارئ ولكن النظام اليوم، صحيح أنه رفع حالة الطوارئ، بإصداره مرسوما بذلك، و لكنه أعاد إن جاز التعبير نشر البنود التي اشتمل عليها القانون المحدد لحالة الطوارئ، في قرارات و مراسيم أخرى ليس إلا، فالنص الذي يشير إلى أن الجيش يتدخل في حالة إرهاب و في حالة تخريب، كلمة " التخريب " هذه كلمة "مخيفة "، معناها أن الجيش يمكن أن يتدخل إذا قامت مسيرة هنا وهنالك، و ارتكب بعض المندسين فيها مثلا، أعمالا تصنف على أنها " أعمال تخريبية "، ثم النظام رفض فتح المجال السياسي، وأصر على إبقائه مغلقا، و هذا الإصرار يعتبر من الأخطاء الكبرى، النظام أراد أن يعالج بعض الملفات الاجتماعية كالملف المتعلق بأسعار بعض السلع، وكالملف المتعلق بمحاولة إيجاد بعض مناصب الشغل المؤقت لفئات من الشباب، أنا لا أنكر أن الشباب يحتاج إلى مناصب شغل بل و قد أشرت إلى هذا، فيه بطالة واسعة جدا، و لكن ليس هذا هو العلاج، يجب أن يدرك النظام أن الحاجة إلى مباشرة إصلاحات شاملة وعميقة، إنما هو المخرج، مما قد يتهدد البلاد من مخاطر، فالنظام إذا أمام أحد الخيارين، إما أن يباشر الإصلاحات الشاملة و العميقة، فيجنب البلاد عندئذ ما قد يتهددها من مخاطر، و إما أن ينتظر أن يحدث في الجزائر ما حدث في تونس أو في مصر، ليس بالضرورة أن يحدث هذا خلال أسابيع أو أشهر قليلة، و لكنه إذا أصر النظام على سياساته، فذلك قادم لا محالة - ما هو تصوركم لهذه الإصلاحات الشاملة و العميقة؟ الإصلاحات الشاملة معناها إصلاحات في مجالات مختلفة، في المجال السياسي لابد من إصلاحات، بعضها متصل بالدين و اللغة، وبعضها متصل بالحريات الفردية و الجماعية، وبعضها متصل بالأحزاب، في حرية تأسيس الأحزاب، و بعضها متصل بحق الأحزاب في التداول على السلطة عن طريق الانتخابات الحرة و النزيهة، و بعضها متصل بمراجعة قانون الانتخابات، بما يجعلها مفتوحة أمام جميع المجموعات والأفراد في نفس الوقت، في الميدان الاقتصادي لابد من إصلاحات أيضا، تكون إصلاحات واسعة، و في طليعتها تلك المتعلقة بسياسة الأجور، و بسياسة الضرائب و الرسوم، و بسياسات الاستثمار، و في الميادين المختلفة، في الميدان الصناعي، في الميدان الزراعي... و هكذا... في الميدان الاجتماعي، النظام مدعو لكي يباشر إصلاحات تفضي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، متصلة بكل ملفات السياسة الاجتماعية، و في مقدمتها الملفات المتعلقة بالفئات الضعيفة و المحرومة، وملف الأمومة، وملف المرأة، وملف الطفولة، وملف الشباب، وملف الصحة، وملف السكن، في الميدان الإداري أيضا لابد من ورشة إصلاحات بما يجعل الإدارة محايدة تسهر على خدمة المواطنين كافة، و بما يحررها من مرض المحسوبية، ومرض الرشوة وما إلى ذلك، أيضا في الميدان لا بد من أن تباشر السلطة إصلاحات جوهرية تفضي إلى تحقيق عدالة القضاء، و هذا من خلال مراجعة عميقة للنصوص القانونية، و أيضا للقضاة، بما تعلق ببرامج تكوينهم، و كيفية تأهيلهم لهذه المناصب، والشروط المطلوبة للالتحاق بالمهنة، وما تعلق أيضا بحقوقهم، ما تعلق بالرقابة عليهم، بالآليات التي تراقب الجهاز القضائي، بما يجعله فعلا منضبطا بالقوانين، بعيدا عن الرشوة والمحسوبية، في ميدان التعليم لابد من مباشرة إصلاحات، وفي الميدان الإعلامي والمسجدي، وهكذا في مختلف الميادين، لكن يأتي على رأس هذه الإصلاحات الإصلاح في الميدان السياسي - فيما يتعلق بتأسيس الأحزاب... تزامنت مساعيكم لإنشاء حزب جديد في المستقبل القريب، مع تصريحات وزير الداخلية التي أكد من خلالها أن مسألة اعتماد أحزاب جديدة غير مطروحة حاليا... فهل سيثني ذلك من عزيمتكم في المضي قدما في هذا المسعى؟ نحن حزب موجود منذ عقود من الزمن، و أخذ منا العنوان ظلما خلال السنوات الأخيرة، و قد نعلن عن عنوان جديد ليس إلا، أما الحزب كمؤسسات فهو موجود قبل التعددية، وهو مستمر معها و بعدها أيضا، لا سمح الله و إن ألغيت التعددية، و مستمر لأنه وجد من أجل خدمة الدين و خدمة الأمة و خدمة الوطن، ومادام الدين قائما و مستمرا، و الأمة و الوطن كذلك، فهو أيضا قائم و مستمر، و العنوان ليس مقدسا في ذاته، و إنما هو ضرورة من أجل تميز الأعمال و تميز الأشخاص، ومن أجل سهولة التواصل كذلك، مع الناس و مع الراغبين في نصرة مشروعنا و التعاون على التمكين لأهدافنا - هل يفهم من كلامكم أنكم متمسكون بخيار تأسيس حزب جديد؟ نحن متمسكون بالعنوان... صحيح نحن قدمنا طعنا للسلطة فيما وقع علينا من مظلمة، و لم نتلق الرد لحد اليوم، هناك وعود بأن يكون هناك رد ربما خلال أسابيع، قد نصبر أسابيع انتظارا لما يظهر من هذه الوعود، ثم بعد ذلك نقرر، فإذا استجابت السلطة لمطلبنا فرفعت الظلم الواقع علينا، وأعادت لنا عنواننا فذلك جيد، و إلا سوف نعلن عن عنوان آخر - ردا على تصريحات وزير الداخلية بخصوص اعتماد أحزاب جديدة... بدأ الحديث عن تشكيل تكتل يضم مجموعة من الأحزاب غير المعتمدة... فهل يمكن أن تنضموا لأية مبادرة من هذا القبيل؟ نحن لم يعرض علينا مثل هذا، و لكن إذا حصل فسوف نفكر في الموضوع بجدية - تحدثتم مؤخرا عن أن الإسلاميين هم الوحيدون القادرون على تحريك الشارع الجزائري... فهل فعلا يمتلكون تلك القوة في ظل الانشقاقات و التصدعات التي تنحر جسد التيار الإسلامي؟ صحيح أن التيار الإسلامي تلقى ضربات كبيرة جدا، فخلال أكثر من عقدين من الزمن، وهو يستهدف من طرف النظام بكل الوسائل، بغرض تقزيمه و تشويه صورته لدى الرأي العام، و من ثم تهميشه تماما، و لكنه في اعتقادي لم يفلح، فلا يزال التيار الإسلامي هو التيار الأقوى في البلاد، و الشعب ملتف حول هذا المشروع، يعرف فيمن يثق من رموز هذا التيار، والانشقاقات التي أشرتم إليها هي انشقاقات مصنوعة من طرف النظام، باستغلال حب الطمع الموجود لدى بعض الناس و لكن أثرها على مستوى الشارع محدود جدا، فالشارع الجزائري يعرف من يقف وراء هذه الانشقاقات، و يعرف الأهداف التي من أجلها يقف وراءها، و لذلك لم يتأثر بها، لا تزال الأغلبية الموصوفة ملتفة حول المشروع ورموزه الحقيقيين، هؤلاء إذا تحركوا في المستقبل فسوف يكون لحراكهم شأن - كانت هناك محاولات من قبل بعض القوى الجزائرية الداعية للتغيير لتحريك الشارع الجزائري، من خلال الدعوة إلى مسيرات شعبية، غير أن مساعيها باءت بالفشل الذريع... فهل يعني ذلك أن الجزائريين أصبحوا لا يثقون في الأحزاب السياسية؟ النظام عمل على تسويد صورة الأحزاب لدى الرأي العام عبر وسائل إعلامه المختلفة، و عبر سياسات الانشقاق التي بثها في صفوف الكثير من الأحزاب، إلا أن سبب عدم الاستجابة للدعوة إلى المسيرة يعود أساسا إلى كون من دعا إلى المسيرة فاقد المصداقية لدى الرأي العام، وهو من الذين عملوا بكل ما أوتي من قوة من أجل الزج بالبلاد في أتون الفتنة التي عرفتها خلال التسعينيات، فإذا كان يظن بأن الناس قد نسوا فهو واهم، الناس يذكرون دوره ومسؤوليته تلك، و لا يثقون فيه، ولا يلتفتون إلى نداءاته، و عدم تجاوب الناس مع نداءات هؤلاء لا يفسر على أن الناس كرهت الأحزاب، و إنما يفسر على أن الناس تعرف فيمن تثق ومن لا تثق، و تعرف مع من تسير، وأنا أعتبر أن هذا مؤشر إيجابي جدا، يزيد من رصيد التيار الإسلامي و يرفع من قدره. - كيف ترون مستقبل الحركة الإسلامية في الجزائر على ضوء موجة التغيير التي تجتاح اليوم الأقطار العربية و الإسلامية؟ المستقبل واعد بإذن الله، فكل المعطيات الموجودة على الساحة العالمية تؤشر إلى أن المستقبل أساسا في العالم العربي والإسلامي هو للتيار الإسلامي، هو التيار الوحيد الذي ناضل طبعا من أجل الإسلام والشورى، ومن أجل الحريات، وهو التيار الذي قدم تضحيات جبارة في ذلك، فإذا أردت أن تبحث عن الشهداء فابحث عنهم في التيار الإسلامي، و إذا أردت أن تبحث عن السجناء أيضا، فابحث عنهم أساسا في التيار الإسلامي، وإذا أردت أن تبحث عن المفصولين عن وظائفهم ، فابحث عنهم في التيار الإسلامي، وإذا أردت أن تبحث عن المهجرين والمشردين والمخطوفين، فابحث عنهم في التيار الإسلامي... إذا تاريخ الأمة الحديث من هذه الزوايا إنما هو مرتبط أساسا بالتيار الإسلامي، فلذلك من الطبيعي جدا أن تعرف الأمة لهم هذا الفضل، وأن تلتف حولهم عبد الرحمن أبورومي إسلام أون لاين ـ الجزائر 2011_3_7