دويلة “ قناةالجزيرة” العظمى.. والتدخل في شؤون الكويتسليم عزوز
19/12/2010
ذكرتني قناة الجزيرة مشكورة غير مأجورة بـدولة الكويت مرتين خلال الأيام القليلة الماضية، الأولى عندما نقلت صورة قوات الشرطة وهي تعتدي على النواب، في مشهد لا تخطئ العين دلالته، إذ بدا أهل الحكم في الكويت قد ملوا من فكرة تأديب النواب بحل البرلمان، فقرروا أن يذبحوا لهم القطة أما المرة الثانية فكانت عندما أقدمت الحكومة الكويتية على إغلاق مكتب الجزيرة في الكويت وسحب تراخيص الاعتماد الممنوحة للمراسلين العاملين في هذا المكتب، وهو الأمر الذي تحول إلى الخبر الأول في كل نشرات الأخبار في يوم الغلق العظيم، ثم أصبح موضوع حلقة برنامج ما وراء الخبر في الأولى وفي الثانية فان ما بثته ‘الجزيرة’ وان كان قد تم بشكل سلبي، إلا انه مثل دعاية لـدولة الكويت، ومثلت صور قوات الشرطة وهي تركض ركض الوحوش في البرية، و تهبد النواب على أمهات الرؤوس، رسالة ردع للعدو، بأن أي اجتياح آخر لن يواجه بالفرار الجماعي، وإنما سيقوم رجال الأمن البواسل بالتصدي له، وهم مدربون على أعمال القتال، وما قاموا به ضد النواب، ليس أكثر من وصلة تدريب، فهم على أبهة الاستعداد لملاقاة العدو، فليس في كل مرة تسلم الجرة صورة رجال الأمن وهم في الوضع استعد تشرح القلب العليل، وقد بثتها ‘الجزيرة’ مئات المرات، وهذه دعاية غير مباشرة، تستدعي أن تطالب المحطة دولة الكويت بدفع قيمتها عداً ونقداً، عبر مظروف بداخله خطاب شكر فقد كنت قد نسيت دولة الكويت منذ أن توقفت حملة الشحتفة الكبرى في كل عام، التي ترفع شعار “لا تنسوا أسرانا”، ويتم تقديم أهالي الضحايا وهم في حالة بكاء، إذ كانت الحكومة الكويتية تعلن ان هناك اسرى ومفقودين لدى الجانب العراقي، وكان النظام العراقي ينفي وجود كويتيين لديه، لكن المجتمع الدولي كان يؤكد وجود اسرى، والأمم المتحدة تقر بهذا، وعندما سقط نظام الرئيس العراقي، لم يطالب احد بالأسرى، لا من الجانب الكويتي، ولا من الجانب الدولي وميزة حملة “لا تنسوا أسرانا” أنها كانت تذكر الرأي العام بـدولة الكويت، وهو ما افتقدناه الآن، وتولت ‘الجزيرة’ المهمة لتذكرنا من جديد بهذه الدولة، وهي تظن أنها تسيئ إليها، لكن وباعتباري صحافيا محترفا أعلم ان ما قامت به هو لون من ألوان الدعاية المستترة، وإذا لم تقم الحكومة بدفع قيمته لإدارة ‘الجزيرة’، وجب على أصحاب المحطة ان يحملوا قياداتها قيمته ولو خصماً من رواتبهم في أول كل شهر الإذاعة المدرسية الجزيرة لم تكتف بإذاعة خبر إغلاق مكتب القناة في أول نشرة أخبار، ليصبح بعد ذلك خبراً على هامش النشرات اللاحقة، فاللافت انه كان الخبر الأول في كل النشرات، بشكل لم تفعله عندما قامت بلدان أخرى بإغلاق مكاتبها، فلم تكن هذه المرة الأولى التي تقدم فيها حكومة على ذلك، ومع هذا فان التكرار في هذه المرة كان بهدف الدعاية لـ’دولة الكويت واختلف هنا مع الذين نظروا إلى هذا التكرار على انه نوع من التجريس، وباعتبار إن التجريس عقوبة الحكومة الكويتية شخصياً قالت انها أغلقت مكتب المحطة لأنها تتدخل في الشأن الداخلي الكويتي، فضلاً عن ان القناة لا تلتزم بتعليمات الوزارة. ولم يوضح الخبر هذه التعليمات، لكنه كشف عن عقلية وزراء الإعلام العرب، وفي أحيان كثيرة أظن ان السادة وزراء إعلامنا البواسل أشقاء، من أم واحدة وأب واحد، فالجينات الوراثية واحدة، وبصمة الاستبداد أيضا واحدة. وإذا كان الوزير الكويتي لم يقل ما هي تعليماته الجبارة، فقد كشفت خديجة بن قنة عن أن الجزيرة رفضت الامتثال لتعليمات كويتية بعدم استضافة برلماني معارض! يا الهي، انه الخالق الناطق المنطق الذي يسيطر على وزير الإعلام المصري انس الفقي، الذي قامت قيامته لان الـ “بي بي سي” استضافت المعارض المصري عبد الحليم قنديل، وفي أيام الانتخابات كان يقوم بتصرفات صغيرة عندما تستضيف فضائية بعض المعارضين، فيتدخل بإسقاط إشارة الإرسال، هذا ان لم يتدخل بإلغاء الحجز بالاستوديوهات، أخذا بالأحوط، وليذكرني بأيام الإذاعة المدرسية ففي أيام الصبا كنت خطيباً مهيجاً، وأحدثت نقلة في كلمات الإذاعة المدرسية، التي تتميز بالرتابة، وتدخل في باب الواجبات الدراسية، وحدث أن تدخل مدرس اللغة العربية بصفته المسؤول عن الإذاعة في مدرستنا، وطلب مني أن أقرأ من ورقة على ان يراجع المكتوب، وقال انه يحميني من نفسي، وكان رأيي أنها غيرة مهنية باعتباره يخطب أحياناً، فلا يهتم التلاميذ بما يقول ولأنه قرر منعي من الإذاعة المدرسية، بحكم صلاحياته، فقد كتبت كلمة، وذهبت اليه قبل طابور الصباح، وقرأتها عليه ووافق، لأنها كانت تقليدية للغاية، وتبدأ بالسيد ناظر المدرسة.. أساتذتي الأفاضل.. إخواني الطلبة، وهي الديباحة المتوارثة، وما ان أمسكت بالميكروفون وانتهيت من قراءة الديباحة، حتى وضعت الأوراق في جيبي، وانطلقت كما القطار، فقد أصبحت في حماية الجماهير وجن جنون المدرس المسؤول لهذه الخدعة، ووقف بجانبي يخاطبني بصوت هامس: اقرأ من الورقة.. ارجع للورقة.. لم نتفق على هذا.. وقد أربكني ولا شك، ونظرت إليه غاضباً، حتى ينتبه الحضور لما يدور، فارتفعت الأصوات محتجة، فلم يجد ما يفعله إلا ان قام بقطع مكبر الصوت: وصاح مندهشاً: الكهرباء انقطعت، واحتج زملائي ورفضوا دخول الفصول، وكان يوماً مشهوداً في تاريخ حركة نضال تلاميذ المدارس الديمقراطية الكويتية لقد قدمت خديجة بن قنة برنامج “ما وراء الخبر” في هذا اليوم، واستضافت عددا من الضيوف راعني انهم في دهشة من أمرهم، لان حكومة الكويت فعلت هذا، بحجة ان الكويت تشهد ديمقراطية لا نظير لها في العالم العربي وعلى الشاشة كان هناك خبر يقول إن أمير الكويت المفدي حل البرلمان ثلاث مرات خلال خمس سنوات، وهو أمر ينفي وجود ديمقراطية أصلاً، ما دام البرلمان عندما يستجوب وزيراً فان أمير البلاد يتدخل بصلاحياته ويسرحه الكويت بها حرية كلام غير مسبوقة، وهو أمر طبيعي بعد محنة الغزو، والحديث بصوت خفيض عن سقوط أهلية الحاكم غير القادر على حماية البلاد والدفاع عن تراب الوطن. وبعد الغزو كانت ‘العيون مكسورة’، لذا فقد اتسع هامش حرية الكلام، لكن هذا لم يرق إلى مرتبة الديمقراطية التي تعني حرية تداول السلطة ومن الواضح أن الكويت قادمة على شتاء الغضب، والاعتداء الذي جرى على النواب، وبالشكل الذي جرى عليه هو دليل على ان صفحة جديدة فتحت وصفحة قديمة طويت ومن عجب ألا يقال وزير الداخلية بسبب هذا التصرف، الذي على ما يبدو انه تم بموافقة أهل الحكم، وإنما تلام ‘الجزيرة’ لأنها نقلت واقعة الاعتداء على النواب، ثم يهز وزير الإعلام طوله ويقوم بإغلاق مكتب المحطة بالكويت لأنها استضافت معارضا كويتيا، ولأنها تتدخل في الشؤون الداخلية لـدولة الكويت وهذا ليس له إلا معنى واحد، وهو أن الجزيرة تحولت إلى دولة عظمى، حتى تتحسس الدول الصغرى وطنيتها عندما يجري التدخل في شؤونها، وهذا مما يسيئ لـدولة الكويت عموما الشكر واجب لقناة الجزيرة حتى وان كانت قد خلطت بين التحرير والإعلان، فيكفي أنها ذكرتنا بـدولة الكويت، التي سقطت من الذاكرة منذ أن توقف إعلان “لا تنسوا أسرانا”، وعلى الحكومة الكويتية ان تنشر حملة إعلانية ضخمة شعارها “لا تتدخلوا في شؤوننا الداخلية”، فهذا سيجعل دولة الكويت لاصقة بالذاكرة أرض ـ جو الرئيس السادات هو صاحب نظرية تخوين الذين يهاجمون مصر في الخارج، بعد أن اختزل مصر في شخصه، ونظر إلى معارضيه الذين يعيشون خارج البلاد على أنهم يأتون كبيرة عندما يتطاولون على مصر خارج الحدود. ويقال ان هذه كانت اختراعاً من الراحل ثروت أباظة احد كتاب البلاط، وقد أعجب به الرئيس السادات فكان لا يمل من ترديد: “دول بيهاجموا مصر في الخارج يا ولاد وقد كانت المعارضة تستهجن ما يقوله السادات ورجاله، فهو ليس مصر، والمعارضة بالخارج لا يمكن ان تكون خائنة للوطن. فغضب السادات على هذه المعارضة راجع إلى أنها كانت خارج سيطرته، وبعيدة عن دائرة انتقامه ومما يؤسف له ان يتحول ما كان يردد في عهد السادات إلى قاعدة يرسخ لها الأستاذ محمد حسنين هيكل في أكثر من موضع، وآخر مرة في حواره مع محمد كريشان، إذ قال انه نظرا لأنه في الخارج فسوف يكون حساسا عندما يتحدث في الشأن المصري، ولا ندري هل المقصود بالخارج هذا هو قناة ‘الجزيرة’، أم لان حواره كان في مدينة الضباب إن على هيكل ألا يجعل من حذره المتوارث قاعدة نصبح بالتالي مطالبين بالالتزام بها من باب الامتثال لقيم الوطنية مكتب الجزيرة بالقاهرة يضم سمير عمر ابن جريدة الدستور وعبد الفتاح فايد ابن جريدة الشعب ودينا سمك ابنة الأهرام، ومحمد الضبع ابن الدستور أيضاً.. انه تأكيد على أن الصحافة الورقية هي الأصل المصدر |