تزوج ثمانيا من النسوة توفي عن أربع منهن و هن: فاختة ، و أم البنين، و رملة، و نائلة
كان له تسعة أبناء و ثماني بنات: عبد الله الأكبر ، و عبد الله الأصغر، و عمرو، و عمر، و خالد، و الوليد، و سعيد ، و عبد الملك اسمه هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي القرشي مولده ولد في السنة الخامسة من ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عمره حين البعثة خمسا وثلاثين سنة صفته كان مربوعا، حسن الوجه، رقيق البشرة، أسمر، وافر اللحية، أصلع، عظيم الكتفين إسلامه كان في جاهليته عفا، كريماً ، مستقيما في خلقه ، معروفا بعقله و رجاحة رأيه، فما دعاه أبو بكر إلى الإسلام حتى استجاب للدعوة ، وأعلن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامه، فكان من أوائل السابقين إلى الإسلام. و لما علم عمه الحكم بإسلامه، أوثقه كتافاً و قال له: ترغب عن دين آبائك إلى دين مستحدث؟ والله لا أحلُّـك حتى تدع ما أنت عليه! فقال عثمان رضي الله عنه: والله لا أدعه و لا أفارقه . فيئس عمه منه و تركه و شانه مع الرسول صلى الله عليه وسلم وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثال المؤمن المخلص الذي وهب لله ولرسوله نفسه وحياته وراحته. زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه بقليل بنته رقية، ثم هاجر معها إلى الحبشة مع عشرة من الرجال و خمس من النسوة. ثم عاد منها إلى مكة قبل الهجرة . ثم كان فيمن هاجر إلى المدينة مع زوجه، ولازم رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاركه ومجالسه كلها ، لم يغب إلا عن بدر، إذ مرضت زوجته رقية، فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم بالبقاء عندها لتمريضها. وقد أسهم له الرسول صلى الله عليه وسلم في غنائم بدر كمن شهدها. ولما خرج الرسول عليه الصلاة و السلام إلى غزوة غطفان استخلفه على المدينة حتى رجع. وقد توفيت زوجته في عام أحد، فزوجه الرسول صلى الله عليه وسلم بنته الثانية أم كلثوم ، وبذلك سمي (ذا النورين). وقد كان في غزوة الحديبية رسول النبي صلى الله عليه وسلم إلى قريش ليؤكد لهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد حربا، إنما يريد ومن معه من المسلمين زيارة البيت الحرام، فحبسته قريش ، وأشيع في المسلمين أنه قتل ، فصمم الرسول صلى الله عليه وسلم على مناجزتهم الحرب، ودعا المسلمين إلى البيعة على الموت في سبيل الله. وقد مد الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى يديه وقال: هذه يد عثمان ، وضرب بها يده الأخرى كمن يبايع. وفي غزوة تبوك كانت له اليد الطولى في تجهيز الجيش والإنفاق عليه، ولم يفارق رسول صلى الله عليه وسلم الدنيا إلا وقد شهد له بالجنة ، و أصبح معدوداً من كبار الصحابة، الذين أسهموا مع النبي صلى الله عليه وسلم بأموالهم وجهودهم في نشر الدين وتثبيت دعائمه مع أبي بكر و عمر رضي الله عنهما وكان في حياة أبي بكر و عمر رضي الله عنهما من كبار رجال الدولة الذين يستشارون في الملمات، و يعتمد عليهم في الحوادث، ولم يضن عليهما، ولا على الدولة بمعونة ولا تأييد مادي أو معنوي، حتى آلت إليه الخلافة بعد مقتل عمر رضي الله عنه في خلافته بويع بالخلافة من بين ستة من كبار الصحابة عينهم عمر رضي الله عنه للخلافة. واستمر في خلافته ستة أعوام، نعم فيها المسلمون بالأمن والاستقرار، وتوالي الفتوح، واتساع رقعة الدولة . ففي عهده فتحت الخزر (الترك) وتوغل المسلمون في خراسان و قهستان و طخارستان، وافتتحوا تفليس وقبرص. و في عهده أنشئ أول أسطول بحري للمسلمين . وتوالت انتصارات المسلمين في البحر، حتى أصبحت الدولة الإسلامية دولة بحرية. ثم ابتدأت الفتنة، واضطرب أمر المسلمين ست سنوات أخرى من خلافته ، لم تنته إلا بمصرعه شهيدا في بيته على يد نفر من الأشقياء من زعماء الفتنة ابتدأت الفتنة بدسائس اليهودي الأثيم عبدالله بن سبا الذي تظاهر بالتشيع لعلي، و الانتقاص من عثمان، وأخذ ينشر الأكاذيب عن سياسته وأعماله . وقد وجد في دهماء الأمصار الكبرى ، الكوفة والبصرة ومصر، مرتعا لترويج أكاذيبه. و قد استجاب للفتنة رؤوس الشر من طالبي الزعامة، وحديثي العهد بالإسلام ، ممن لم يعرفوا قدر عثمان، ولم يشهدوا بلاءه في الدعوة، وسبقه إلى اعتناقها، و رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وشهادته له بالجنة. و هكذا تعاون الدس اليهودي، مع الطمع الدنيوي، مع طيش الشباب، و نسيان آداب الإسلام مع أولي الأمر، وكبار صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وقدماء الدعاة إلى الله ، تعاون كل ذلك على إيجاد الفتنة الكبرى التي ابتدأت بقتل الخليفة الصحابي الجليل، وهو فوق الثمانين من عمره، ثم انتهت إلى تفريق كلمة المسلمين، و تمزيق وحدتهم، و تفريقهم إلى شيع وأحزاب، كل حزب بما لديهم فرحون ولقد أحكموا أسباب الفتنة، حتى أحاطت بالخليفة المظلوم من كل جانب ، فأثاروا أولاً دهماء الناس في الأمصار على ولاتهم، ليضطرب الأمن ، وتنتشر الفوضى، ثم أخذوا يكتبون إلى أهل كل مصر من الأكاذيب من سوء أوضاع البلد الآخر، ما يجعل الذين يسمعون هذه الأخبار، يعتقدون أن الظلم والفوضى والاضطهاد ضارب أطنابه في ذلك المصر، ثم يحملون تبعة ذلك كله على عثمان، أمير المؤمنين، حتى إذا بلغوا غايتهم من تهييج الدهماء، تواعدوا باسم الحج على الحضور إلى المدينة، مقر الخليفة، لمحاصرتها، و إنفاذ جريمتهم التي بيتوها. و جاء أوشاب مصر والكوفة والبصرة، كل من طريق غير طريق الآخر، حتى أحاطوا بالمدينة، فخرج إليهم علي رضي الله عنه، وناقشهم، فأبطل حججهم ، وبين لهم ما يفترون على الخليفة ، وما يتجاوزون فيه الحق، فتظاهروا بالاقتناع بحيث عاد علي إلى المدينة، واطمأن الصحابة إلى انتهاء الفتنة. ولكنهم سرعان ما فاجئوا المدينة بالليل، واحتلوها، وانتشروا في أرجائها، يعلنون الثورة على خليفة المسلمين، وناقشهم عثمان فيما زعموا من أسباب ثورتهم، وتبين له أن ليس فيها سبب واحد يدعو إلى شق عصا الطاعة، و لكم الكيان الإسلامي و توهينه فقد أخذوا على عثمان أنه أتم الصلاة في منى، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم و صاحباه يقصران فيها، فأجابهم: إني قدمت بلداً فيه أهلي ، وان في الحج من هم حديثو العهد بالإسلام ، فخشيت أن يظنوا أن الصلاة في منى تكون ركعتين دائماً ، فأتممت لهذين الأمرين . ثم سألهم: أليس كذلك ؟ قالوا: بلى وأخذوا عليه أنه أخذ بعض المراعي المملوكة لأصحابها، فحماها، وأباحها لإبل بيت المال، وغنم المسلمين، فأجابهم بأنه فعل ذلك لمصلحة المسلمين ، لا لمصلحته هو، فليس له ثاغية ولا راغية. ولقد ولي الخلافة وهو أكثر العرب بعيرا، ثم هو اليوم ليس له شاة ولا بعير، إلا بعيرين يحتاجهما في حجه . . . ثم سألهم : أليس كذلك ؟ قالوا: بلى وأخذوا عليه أنه جمع القران في مصحف ، وقد كان في مصاحف متعددة . ولعمري لو لم يكن لعثمان من مأثرة في التاريخ إلا جمع الناس على مصحف واحد، وقراءة واحدة لكفى، ولكن الحقد والجهل قلبا مأثرته الخالدة إلى نقيصة. وقد قال لهم في جوابه: إن القرآن واحد، جاء من عند واحد، و إنما أنا في ذلك تابع لمن تقدمني، وهو أبو بكر، وسألهم: أليس كذلك؟ قالوا: بلى وأخذوا عليه أنه استعمل الشباب الأحداث في الوظائف والولايات، فأجابهم بأنه لم يستعمل منهم إلا مجتمعا محتملاً مرضيَّاًً وهؤلاء هم أهل عملهم وبلادهم فسلوهم عنهم ، ولقد استعمل رسول الله في صلى الله عليه وسلم أسامة، و هو شاب على كبار المهاجرين والأنصار ثم سألهم: أليس كذلك ؟ قالوا: بلى وأخذوا عليه استعماله لبعض أقربائه، فأجابهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعمل بعض أقربائه، وما يضر الحاكم أن يتولى أقرباؤه الحكم، إذا كانوا على خير واستقامة وصلاح وهكذا ألزمهم عثمان الحجة، ولو كانوا يريدون في ثورتهم الحق لاستمعوا إليه، ونزلوا عنده ، و لكنهم طلاب إمرة ـ كما قال عثمان ذلك عنهم في بعض خطبه – و رواد فتنة، وحديثو عهد بالإسلام أغراهم الشيطان بالشر، بحجة إنكار الظلم، وطلب الإصلاح ، فظلموا الأمة وأفسدوا الدولة، وفتقوا في الإسلام فتقاً لم يرتق بعد. وأحاطوا بالخليفة، فحصروه في بيته، ومنعوه من حضور المسجد، وحبسوا عنه الطعام والماء، وهو يناشدهم الله أن يذكروا صحبته لرسوله، و بلاءه في الإسلام، و إنفاقه أمواله في سبيل الله وما كان لمثل هؤلاء البغاة أن تهزهم سابقة عثمان ولا تضحياته، و هم لم يكن لهم شرف السبق إلى الإسلام، فيعرفوا للسابقين فضلهم ، ولا كانوا أهل تضحية و إنفاق، ليذكروا للمنفقين أياديهم ، وحسن صنيعهم واستمروا في حصار البيت، والخليفة يمنع أحدا من أن يقاومهم بالسلاح؟ لئلا يكون سفك دماء المسلمين على يده. وأصروا على أن يتنازل عن الخلافة، فأبى أن ينزع ثوبا ألبسه الله إياه، أو يفرط في أمانة المسلمين في عنقه، وهم حفنة من البغاة، لا يمثلون جماعة المسلمين، ولا يعبرون عن آرائهم واستنجد الخليفة بالأمصار، و خشي الثائرون أن تأتيه النجدات ـ و قد تحركت فعلا من البصرة و الشام ـ فينكشف أمرهم، و تخذل حركتهم، فتسوروا على عثمان البيت، و أحرقوا الأبواب، وتقدم بعض أشقيائهم فضربه على رأسه، وهو يتلو كتاب الله. و أرادت زوجته الوفية البارة "نائلة " ، أن تحول دون ضربة السيف بيدها فتقطعت أصابعها، ثم هجم عليه شقي آخر فأمسك بلحيته و احتز رأسه، كما يحتز الجزار الشاة، و صعدت إلى الله روح الخليفة المظلوم، تلعن دعاة الفتنة بلسان اثنين وثمانين عاما، كان كل يوم فيها أكرم على الله، و أبر بالإسلام، من أعمار هؤلاء الأشقياء جميعا ولم يكتف الأشقياء بجريمتهم ، بل انتهبوا ما في البيت من أثاث ، ثم أتوا إلى بيت المال فانتهبوه كله، و شاع في المدينة قتل الخليفة، وكان ذلك لثماني عشرة خلت من ذي الحجة سنة35 هـ، و كان هذا اليوم طليعة الأحداث المشئومة في تاريخ الإسلام والمسلمين وإن مجال العبرة فيما سردناه من أسباب الفتنة و مراحلها ، أن دعاة الشر يلجئون دائماً إلى إثارة الجهال والأحداث باسم الإصلاح، مع أن الإصلاح ـ لو صلحت نياتهم ـ لا يكون بتمزيق الشمل، و تصديع الجماعة، وفتح باب الفتن على مصراعيه، ليستفيد منها أعداء الإسلام ما يغريهم بالجد في حربه، و مكايدة أهله. ومن مجال العبرة أيضا أن الصحابة لو احتاطوا للشر من بدايته، و حزموا أمرهم على مناصرة الخليفة المظلوم ، لوئدت الفتنة في مهدها، ولكن كبارهم أخذوا يتفرجون عليها، و هم ينكرونها في قلوبهم، ولعل بعضا منهم ممن كان منحرفا عن عثمان، لم تسؤه هذه الفتنة، فساعد دعاتها بلسانه، حين كان يتطاول على الخليفة و ينتقده بما لا مجال للطعن فيه، و ما يمكن أن يكون له مخرج حسن، و زاد في استفحال الشر و وصول المتآمرين إلى أغراضهم، حلم عثمان و حياؤه، و إعفاؤه عنهم في بداية الثورة وقد أشار عليه كثيرون بان يأخذهم بالشدة فأبى، و لو استعمل سلطان الله الذي آتاه في تأديب البغاة والخارجين على الجماعة ، لجنب المسلمين نتائج تلك الفتنة العمياء، ولكن عثمان كان حينئذ يشرف على الثمانين، و قد وهن منه الجسم، و ضعفت الأعصاب، وأشرف على لقاء ربه. ففضل أن يلقاه مظلوماً، على أن يلقاه بدماء رجال انتسبوا إلى الإسلام، و تظاهروا بإقامة شعائره و يرحم الله عثمان في هذا، فلقد أنصف نفسه و ظلم المسلمين . . و ما كان إلا مجتهدا يعمل بما فطره الله عليه من حلم و حياء و سخاء باليد و الروح في سبيل الله أبرز نواحي عظمته نقتصر ـ وقد طال الحديث ـ في الكلام عن عظمته رضي الله عنه، على الناحية البارزة في تاريخه، وهي سخاؤه العظيم في سبيل الدعوة ، وإنفاقه عليها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده، ما جعله يكاد ينفرد بذلك بين عظماء الصحابة أنفق على تجهيز جيش العسرة في غزوة تبوك عشرة آلاف دينار و ثلاثمائة بعير بأحلاسها و أقتابها، و خمسين فرساً وجهز ثلاثمائة من فقهاء الصحابة ليكونوا في الجيش ، وكان لذلك وقع كبير الأثر في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أنه قال: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم " ثم رفع يديه إلى السماء وقال: " اللهم ارض عن عثمان فإني راض عنه وله مأثرة كبرى في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قال عليه الصلاة والسلام مرة: "من يحفر بئر رومة، فله الجنة " فاشتراها عثمان، ثم تصدق بها على المساكين، وكان يستقي منها كما يستقي كل واحد منهم . وفي عام الرمادة ، في عهد عمر، حيث أكل الناس الشجر والدواب من المجاعة، تصدق بألف بعير عليها المئونة و الطعام وقد جاءه التجار ليشتروها منه فقال: إني بعتها لله و إنها صدقة على المسلمين من كلماته الخالدة قال في أول كتاب بعثه إلى عماله في الأمصار: "أما بعد: فان الله أمر الأئمة أن يكونوا رعاة، ولم يتقدم إليهم أن يكونوا جباة، ألا وإن أعدل السيرة أن تنظروا في أمور المسلمين ، و فيما عليهم ، فتعطوهم ما لهم ، وتأخذوهم بما عليهم، ثم تثنوا بالذمة، فتعطوهم الذي لهم، وتأخذوهم بالذي عليهم وكتب إلى الناس في الأمصار يقول لهم :" ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، و لا يذل المؤمن نفسه، فإني مع الضعيف على القوي، ما دام مظلوماً إن شاء الله ومن خطبته في الناس حين نقم عليه البغاة:" في هذا الدين عيَّـابون ظنانون ، يظهرون لكم ما تحبون ، و يسرون ما تكرهون، طغام مثل النعام يتبعون أول ناعق ومن كتابه إلى الناس في الحج قبل اغتياله:" أما بعد: فان أقواماً ممن كان يقول في هذا الحديث ، أظهروا للناس أنهم إنما يدعون إلى كتاب الله عز وجل والحق ، ولا يريدون الدنيا ولا منازعة فيها ، فلما عرض عليهم الحق تركوه وأرادوا أن يبتغوا الأمر بغير الحق . طال عليهم عمري، وراث ـ أبطأ ـ عليهم أملهم بالإمارة فاستعجلوا القدر المصدر : "عظماؤنا في التاريخ" للأستاذ مصطفى السباعي |