الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمي الأمين، أما بعد: فهذه قصة رائعة من قصص القساوسة الذين رجعوا إلى الإسلام دين الفطرة
والذين أصبحوا من الشاهدين على بطلان ما كانوا فيه من ضلال النصرانية المحرفة، وقبل أن نسرد تفاصيل الرحلة التي رحلها السيد رحمت بورنومو في بحثه عن الدين الحق، نُذكر بفرق عظيم من أعظم
الفروق بين النصرانية والإسلام ولهذا الفرق علاقة كبيرة بقصة هذا الرجل ، ذلك أن النصرانية دين مبني على إلغاء العقل ومنع التفكير في قضايا العقيدة ، والبحث عن الحقيقة بالأدلة
المقنعة ، دين مبني على التصديق والعاطفة من غير اقتناع بحجة أو برهان . أما الإسلام فدين أعطى للعقل مكانته ، وحث على التفكير والبحث عن الحقيقة ، وذم التقليد الأعمى واتباع سيرة الآباء
والأجداد من غير دليل ، فالإسلام دين مبني على الإقناع بالبرهان الواضح والحجة الدامغة . وليس هذا افتراء على النصرانية ، فهذه بعض النصوص الشاهدة على ذلك من الكتاب المقدس عندهم، قال بولس
في رسالته الأولى إلى أهل كورنتس (إصحاح:1/21):« فلما كان العالم بحكمته لم يعرف الله في حكمة الله ، حسن لدى الله أن يخلص المؤمنين بحماقة التبشير » ، وقال بعدها: «لأن الحماقة من الله
أكثر حكمة من الناس، والضعف من الله أوفر قوة من الناس» وقال (إصحاح:3/18):« فلا يخدعن أحد نفسه ، فإن عد أحد منكم نفسه حكيما من حكماء هذه الدنيا ، فليصر أحمق ليصير
حكيما». وليس هذا مدحا للإسلام بما ليس فيه ، بل هذه نصوص من القرآن الكريم شاهدة على ما ذكرناه، قال الله تعالى: ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) [الحج:46] وقال سبحانه عن أهل النار: (وَقَالُوا
لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[الملك:10] وقال جل جلاله عن المهتدين : (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ
اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر:18] والدعوة إلى التفكير والتعقل في القرآن لا يجهلها قارئ له، فعبارة :( أفلا تعقلون) وحدها وردت في ثلاثة عشر موضعا. وهذا
الفرق الواضح هو السر في كون الذين ينتقلون من الإسلام إلى النصرانية هم الجاهلون بحقيقة الدين الإسلامي الجاهلون بأدلته وبراهينه، وكون الذين ينتقلون من النصرانية إلى الإسلام عالمين
بالنصرانية وتعاليمها، وانتقال النصراني إلى الإسلام أمر منوط طبعا بالبحث والتفكير، فمن بحث وفكر، وأراد الحق تحرر من القيود ووصل إلى الحق بإذن الله تعالى، أما من بقي منهم مع موروثه فرحا
به فإنه يكون يوم القيامة من الذين يقولون: ( لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)
[الملك:10]. من هو صاحب الرحلة؟ صاحب الرحلة هو السيد رحمت بورنومو الأندونيسي المنتسب إلى عائلة نصرانية ورثت النصرانية أبا عن جد ، كان أبوه قسيسا على مذهب
بانتي كوستا وجده أيضا كان قسيسا على مذهب البروتستانت ، وكانت والدته معلمة الإنجيل للنساء ، وأما هو فكان قسا ورئيسا للتنصير في كنيسة « بيتل أنجيل سيبنوا». لم يكن يتصور أنه سيكون مسلما في يوم ما …لماذا؟ يقول رحمه الله تعالى :« لم يخطر ببالي ولو للحظة واحدة أن أكون من المسلمين إذ أنني منذ نعومة أظفاري تلقيت التعليم من والدي الذي
كان يقول لي دائما إن محمدا رجل بدوي صحراوي ليس له علم أو دراية ولا يقرأ وأنه أمي ..بل أكثر من ذلك فقد قرأت للبروفيسور ريكولدي ..« بأن محمدا رجل دجال يسكن الدرك التاسع من النار».ومنذ
ذلك الحين تكونت لدي فكرة مغلوطة راسخة تدفعني إلى رفض الإسلام وعدم التفكير في اتخاذه دينا لي». كيف بدأت القصة؟ قال رحمه الله :« في يوم من الأيام أرسلتني قيادة الكنيسة للقيام بأعمال تبشيرية لمدة ثلاثة أيام ولياليها في منطقة "دايري " ..في
شمال جزيرة سومطرة ……ولما انتهيت من أعمال التنصير والدعوة أويت إلى دار مسؤول الكنيسة في تلك المنطقة، وكنت في انتظار سيارة تقلني إلى موضع عملي ، وإذا برجل نحيف يطلع علينا فجأة ، ولقد
كان معلما للقرآن ..اقترب مني الرجل وبعد أن بادلني التحية ، بادرني بالسؤال التالي – وكان سؤالا غريبا من نوعه ء قال: لقد ذكرت في حديثك أن عيسى المسيح إله فأين دليل ألوهيته ؟ فقلت له:
سواء أكان هناك دليل أم لا فالأمر لا يهمك، إن شئت فلتكفر . وهنا أدار الرجل ظهره وانصرف، لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد فقد أخذت أفكر في قرارة نفسي وأقول : هيهات هيهات أن يدخل هذا الرجل
الجنة ، لأنها مخصصة فقط لمن يؤمن بألوهية المسيح». كلمة كان لها أثرها قال :« لكن عندما عدت إلى بيتي وجدت أن صوت الرجل يجلجل في روعي ويدق بقوة في أسماعي مما دفعني إلى الرجوع إلى كتب الإنجيل
بحثا عن الجواب الصحيح على سؤاله، ومعلوم أن هناك أربعة أناجيل مختلفة أحدها بقلم متى والآخر مارك والثالث لوقا والرابع إنجيل يوحنا، هذه التسميات أخذت لمؤلف كل منها أي أن الأناجيل الأربعة
المشهورة هي من صنع البشر !!ثم سألت نفسي هل هناك قرآن بنسخ كثيرة من صنع البشر؟» بداية البحث والتفكير واكتشاف أول تناقض ثم يواصل سرد أحداث قصته :« وأخذت أدرس الأناجيل الأربعة فماذا وجدت؟ هذا إنجيل متى يقول عن عيسى عليه السلام ما يلي: إن عيسى
المسيح ينتسب إلى إبراهيم وإلى داود (إصحاح:1/1). وهذا إنجيل لوقا يقول: يملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية (إصحاح:1/33). وهذا إنجيل مارك يقول : هذه السلسلة من نسب عيسى
المسيح ابن الله (إصحاح:1/1). وأخيرا يقول يوحنا: في البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله وكان الكلمة الله (إصحاح:1/1). فقلت في نفسي: إذن هناك خلاف بارز بين هذه الكتب الأربعة حول ذات
المسيح عليه السلام، أهو إنسان؟ أم ابن الله؟ أم ملك ؟ أم هو الله؟ لقد أشكل علي ذلك، ولم أعثر على جواب». اكتشاف حقيقة واتضاح حماقة قال رحمه الله :« ولنا أن نتساءل، ترى ما هو المبدأ الأساسي الذي كان يدعو إليه عيسى عليه السلام ؟ هذا إنجيل مرقس يقول: فجاء واحد
من الكتبة وسمعهم يتحاورون فلما رأى أنه أجابهم حسنا سأله أية وصية هي الأولى؟ فأجابه يسوع قائلا: إن أولى الوصايا هي اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا إله واحد(إصحاح:2/28ء29) وهذا اعتراف صريح
من عيسى عليه السلام أنه ليس إلها ..ولو كان هو الله أيضا فلن تكون لله وحدانية أليس كذلك ؟ ثم واصلت البحث فوجدت في إنجيل يوحنا نصوصا تشير إلى دعاء المسيح عليه السلام وتضرعه إلى الله
سبحانه، فقلت في نفسي : لو كان عيسى هو القادر على كل شيء فهل يحتاج إلى هذا التضرع والدعاء ؟ طبعا لا ..هذا هو نص الدعاء : هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع
المسيح الذي أرسلته، أنا مجدتك على الأرض ، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته (إصحاح:17/3ء4) وهو دعاء طويل …وهذا الدعاء يمثل اعترافا من عيسى عليه السلام بأن الله هو الواحد الأحد، وأن
عيسى هو رسول الله المبعوث إلى قوم معينين ، وليس إلى جميع الناس ، أي قوم هؤلاء يا ترى ؟ نقرأ جواب ذلك في إنجيل متى (إصحاح:15/24) حيث يقول :"لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة".
إذن لو ضممنا هذه الاعترافات إلى بعضها لأمكننا أن نقول : إن الله هو الواحد الأحد وإن عيسى عليه السلام هو رسول الله إلى بني إسرائيل. بديهيات تنقلب بعد التفكير حماقات قال رحمه الله:« ثم واصلت البحث فتذكرت أنني أكون في صلاتي أقرأ دائما العبارات التالية « الله الأب، الله الابن، الله روح
القدس ثلاثة في أقنوم واحد » قلت لنفسي أمر غريب حقا فلو سألنا طالبا في الصف الأول الابتدائي (1+1+1=3) لقال نعم ثم لو قلنا لكن الثلاثة تساوي واحد لما وافق على ذلك ... لقد حدث تناقض صريح
بين العقيدة التي كانت راسخة في نفسي منذ أن كنت طفلا صغيرا وهي ثلاثة في واحد ، وبين ما يعترف به المسيح عيسى نفسه في كتب الإنجيل الموجودة الآن ، وهي أن الله واحد لا شريك له ، فأيهما هو
الحق ؟ لم يكن بوسعي أن أقرر آنذاك …فأخذت أبحث من جديد لعلي أقع على ما أريد ، لقد وجدت في سفر أشعيا النص التالي :« اذكروا الأوليات منذ
القديم لأني أنا الله وليس الآخر وليس مثلي » (إصحاح:9/عدد:46) ولأشد ما كانت دهشتي عظيمة حين اعتنقت الإسلام فوجدت سورة الإخلاص: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
(1)اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) . أما البديهية الثانية في الديانة المسيحية فتقول بأن هناك ما يسمى بالذنب الوراثي أو الخطيئة الأولى ، ويقصد بها أن الذنب الذي اقترفه
آدم عليه السلام عندما أكل من الثمرة المحرمة عليه من الشجرة في الجنة، هذا الذنب سوف يرثه جميع بني البشر، فالجنين في رحم أمه يتحمل هذا الإثم ويولد آثما، فهل هذا
صحيح؟ لقد أخذت أبحث عن حقيقة ذلك فلجأت إلى العهد القديم ، فوجدت في سفر حزقيال ما يلي: « الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من
إثم الابن بر البار عليه شر الشرير عليه يكون »(إصحاح:12/عدد:20) لعل من المناسب هنا أن نذكر ما ينص عليه القرآن في هذا المقام : (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)[فاطر:18] فكيف يقال إن خطيئة آدم تنتقل من جيل إلى جيل ، وأن الإنسان
يولد آثما ..إذن هذه التعاليم المسيحية قد اتضح بطلانها بنص صريح من الكتاب الموصوف بالمقدس نفسه. وهناك البديهية الثالثة في التعاليم النصرانية التي تقول : إن ذنوب بني البشر لا تغفر حتى يصلب عيسى عليه السلام، لقد أخذت أفكر في
هذه البديهية وأتساءل: هل هذا صحيح ؟ وكان الجواب الذي لا مفر منه بالطبع لا، لأن النص الآنف الذكر من العهد القديم ينفي مثل هذا الاعتقاد بقوله:« فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها
وحفظ كل فرائضي وفعل حقا وعدلا، فحياة يحيى لا يموت، كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه » أي أن الله يغفر ذنوبه دون حاجة إلى أية واسطة من أحد. توسيع دائرة البحث ومصادره قال :« لقد واصلت البحث في عدد من القضايا الاعتقادية الأخرى ، لقد وضعت يوما من الأيام كلا من الإنجيل والقرآن أمامي على المنضدة
، ووجهت السؤال التالي إلى الإنجيل ، وقلت له : ماذا تعرف عن محمد ؟ فقال : لا شيء لأن اسم محمد غير مذكور في الإنجيل ، ثم وجهت السؤال التالي إلى عيسى كما تحدث عنه القرآن، يا عيسى ماذا
تعرف عن محمد ؟ فقال : لقد ذكر القرآن بما لا يدع مجالا للشك أن رسولا لابد أن يأتي بعدي اسمه أحمد، ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي
إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)[الصف:6] فأي ذلك حق يا ترى؟ هناك إنجيل واحد هو إنجيل برنابا وهو غير الأناجيل الأربعة التي ذكرناها من قبل ، وهذا الإنجيل للأسف حرم رجال الدين النصارى على
أتباعهم الاطلاع عليه ….جاء في إنجيل برنابا (الإصحاح:163): « وقتئذ يسأل التلاميذ المسيح يا معلم من يأتي بعدك ؟ فقال المسيح بكل سرور وفرح محمد رسول الله سوف يأتي من بعدي كالسحاب الأبيض
يظل المؤمنين جميعا … ولقد تردد ذكر محمد صلى الله عليه و سلم في إنجيل برنابا عدة مرات أحصيتها فوجدت أن فيه خمسا وأربعين موضعا». بديهية أخرى تناقض صريح المعقول قال :« ومن التعاليم البديهية في الديانة المسيحية أن عيسى عليه السلام هو المنقذ المخلص للعالم أي أنك يمكنك أن تغفل ما تشاء غير آبه
بالذنوب والمعاصي … فقلت في نفسي :« لابد أن أبحث في الإنجيل وأعرف الحق من الباطل في ذلك» فوجدت في سفر أعمال الرسل رسالة بولس الأولى إلى أهل كورونتس يقول (إصحاح:1/64):« الله قد أقام
الرب وسيقيمنا نحن أيضا بقوته » …لقد تأملت هذه الآية طويلا. ثم قلت: لو لم يتدخل الله في إقامة المسيح من القبر لبقي مدفونا تحت التراب إلى يوم القيامة، إذن ما دام
المسيح لم يستطع إنقاذ نفسه فكيف يكون بوسعه إنقاذ الآخرين ؟ بداية التحول عند ذلك عزمت على الخروج من الكنيسة وعدم الذهاب إليها، كان ذلك عام 1969م وليس معنى ذلك أنني خرجت من ذلك الحين من الديانة
النصرانية نفسها، لأنه كما هو معلوم هناك كنائس ومذاهب شتى في الديانة النصرانية فهناك الكاثوليك والبروتستانت والميثيوديست والبلاي كسلامتن واليونيتاريان وغيرها كثير..وذات يوم لقيت صديقا
لي فدعاني إلى الكاثوليكية، وأخذ يعدد مميزات لهذا المذهب لم أجد مثلها في المذهب البروتستانتي، قال صديقي: في هذا المذهب توجد حجرة الغفران وهي غرفة في الكنيسة يجلس فيها قس..ويقعد على
كرسي عال ، ومن طلب العفو والغفران ذهب إليه وردد بعض الألفاظ…وما إن يكاد يفرغ من قراءتها حتى يقال له أنه طهر من ذنوبه ويرجع كيوم ولدته أمه ..لقد رأيت الداخلين إلى حجرة الغفران في
الكنيسة عليهم أمارات الحزن والكآبة لثقل الذنوب، بينما رأيت من يخرج منها وقد علت وجهه ابتسامة الفرح لاعتقاده بأن ذنوبه قد غفرت له . أما أنا فحين جربت تلك الغرفة دخلتها حزينا وخرجت منها
حزينا ، لماذا يا ترى ؟ لأنني كنت أفكر وأتساءل ..هذه ذنوبنا يتحملها القس، ولكن من يتحمل ذنوبه هو؟ وهكذا لم أقتنع بالكاثوليكية فتركتها وبحثت عن دين آخر. القرار بترك النصرانية نهائيا بعد ذلك تعرفت على طائفة نصرانية أخرى تسمى « شهود يهوه» لقيت رئيسهم وسألته ..من تعبدون؟ قال: الله، قلت ومن المسيح ؟ فقال عيسى
هو رسول الله، فصادف ذلك موافقة لما كنت أومن به وأميل إليه، ودخلت كنيستهم فلم أجد فيها صليبا واحدا فسألت عن سر ذلك فقال : الصليب علامة الكفر لذلك لا نعلقه في كنائسنا . لقد أمضيت ثلاثة
أشهر كاملة أتلقى تعاليم ذلك المذهب وفي نهايتها كان لي هذا الحوار التالي مع رئيس الكنيسة وكان هولنديا . قلت له يا سيدي : إذا توفيت على غير هذا المذهب فأين مصيري قال : كالدخان الذي يزول
في الهواء، فقلت متعجبا : ولكني لست سيجارة بل أنا إنسان ذو عقل وضمير …قلت: يا سيدي إذا كنت عبدا مطيعا ملتزما بهذا المذهب، فهل أدخل الجنة . قال : لا . قلت: فإلى أين أذهب ؟ قال: الذين
يدخلون الجنة عددهم مائة وأربعة وأربعون ألف فقط أما أنت فسوف تسكن الأرض مرة أخرى…وهنا أعملت فكري جيدا ودرست الأمر وقلبته حتى اتخذت القرار الأخير بترك النصرانية بجميع مذاهبها رسميا،
وكان ذلك عام 1970م. تجريب البوذية والهندوسية لقد جربت الديانة البوذية فترة من الزمن ولكن سرعان ما تركتها لإحساسي بأنني لم أجد الحق الذي أنشده ، ثم اتصلت بالديانة
الهندوسية ….ومكثت معهم فترة من الزمن تعلمت فيها الكثير ..وذات يوم سألت رئيس المعبد الهندوسي ..ماذا تعبدون ؟ قال : نعبد برهاما ويشنو وشيو، برهاما إله الخلق ويشنو إله الخير وشيو إله
الشر ، ثلاثة آلهة تجلت في جسد إنسان واحد اسمه كريشنا الذي يعتبر المنقذ للعالم عند الهندوس . قلت في نفسي : إذن فلا فرق في أمر الألوهية بين الهندوسية والنصرانية ، ولو اختلفت الأسماء
فهما يناديان ثلاثة في واحد… ولقد واصلت حواري مع الكاهن الهندوسي فقلت له يا سيدي إذا توفيت وأنا على دينكم فإلى أين مصيري ؟ قال : لا أعلم ولكن عليك أن تمتنع عن قتل الحشرات من أمثال
النمل والبعوض وغيرها وقال : قد تكون الحشرات آباؤك وأجدادك الموتى … وفي النهاية قررت أن أترك كل تلك الديانات ولم يكن أمامي إلا الإسلام الذي لم أكن أعلم عنه إلا الشبهات التي
تشوهه. المحطة الأخيرة وذات يوم قلت لزوجتي اعتبارا من هذه الليلة لا أريد أن يزعجني أحد، أريد أن أصلي وأتضرع إلى الله ، وهكذا قفلت باب حجرتي ورفعت يدي
إلى الله خاشعا متضرعا قائلا : يا رب إذا كنت موجودا حقا فخذ بناصيتي إلى الهدى والنور، واهدني إلى دينك الحق الذي ارتضيته للناس ..واستمر ذلك زمنا طويلا .. حوالي ثمانية أشهر. وفي ليلة 13
أكتوبر من عام 1971م …وبعد أن فرغت من دعائي المعتاد رحت في نوم عميق ، وعندما جاء نور الهدى من الله عز وجل إذ رأيت العالم حولي في ظلام دامس ولم يكن بوسعي أن أرى شيئا ، وإذا بجسم شخص
يظهر أمامي فأمعنت النظر فيه فإذا بنور حبيب يشع منه يبدد الظلمة من حولي ، لقد تقدم الرجل المبارك نحوي …قائلا: ردد الشهادتين وما كنت حينئذ أعلم شيئا اسمه الشهادتين فقلت مستفسرا وما
الشهادتان ؟ فقال : قل أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله فكررتها وراءه ثلاث مرات ، ثم ذهب عني الرجل. ولما استيقظت من نومي وجدت جسمي مبللا بالعرق وسألت أول مسلم قابلته
ما هي الشهادتان ؟ وما قيمتهما في الإسلام ؟ فقال : الشهادتان هما الركن الأول في الإسلام ، ما إن ينطق بهما الرجل حتى يصبح مسلما ، فاستفسرت عن معناها فشرح لي المعنى … فالحمد لله الذي
هداني أخيرا إلى ما كنت أبحث عنه منذ سنتين …« [1] خاتمة وختاما نُذكر بأمر اعتقادي مهم، وهو أن الهداية والتوفيق بيد الله سبحانه . قال الله تعالى: (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ)[النحل:36]، ولذلك كان من دعاء المسلمين :( اهْدِنَا
الصِّرَاطَ المُسْتَقِيم )[ الفاتحة ] ، وكان من كلام أهل الجنة : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ
هَدَانَا اللَّهُ)[الأعراف:43]. فمن علم الله منه حب الخير والبحث عن الحق والصدق والإخلاص في ذلك، هداه سبحانه ووفقه ولم يخذله، قال الله تعالى : (إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً )[الأنفال:70]. فالإنسان كما هو مكلف باتباع طريق الحق والسماع إلى دعاته وتعقل براهينه وحججه كذلك مطلوب منه طلب الهداية من الله تعالى
والاستعانة به على فهم الأشياء وعلى التثبيت على الحق ، ونحن جميعا ضعفاء فقراء إلى الله تعالى ، قال سبحانه : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ
إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر:15]. وهذه القصة المسطورة تبين لنا بجلاء هذه الحقيقة ، إضافة إلى ما ذكرناه في المقدمة، وإن فيها أيضا موعظة حية لأنها
متضمنة لشهادة واحد كان من دعاة التنصير، والحق ما شهد به الخصوم، فليعتبر بذلك كل قارئ لها فإن فيها عبرة لأولى الألباب. كتـب المقال محمد حاج عيسى