وفاء اسماعيل نجح مبارك فى حماية كرسيه على مدى ثلاثة عقود عندما وضع نفسه ومقدرات مصر وموقعها ومكانتها وشعبها تحت هيمنة امريكا والكيان الصهيونى ،واستمد شرعية وجوده من دعم الغرب له لا من شعبه ، فتحول شخص مبارك كما وصفه بنيامين آليعازر وزير الصناعة والتجارة الإسرائيلي ) بأنه كنز إسرائيل الإستراتيجي،و بأنه الشخص المقرب من رئيس الوزراء الصهيوني الذى دعم حصار غزة في الوقت ذاته نجح مبارك بإمتياز فى تسخير كل إمكانيات الدولة لخدمة امريكا فى تكريس وجودها بالمنطقة ، وخدمة لمصالحها ومشاريعها التى تهدف الى خلق شرق اوسط كبير مفكك ومجزىء ، هش وضعيف تسيطر عليه ربيبتها المغتصبة لفلسطين _ الكيان الصهيوني هي تدرك تماما ان تغيير النظام المصري يعنى لها فقدان حليف استرتيجي ساعدها فى غزو العراق وتدميره ، وفى غزو أفغانستان ، وتفكيك السودان وانفصال الجنوب عنه ، وفى ضياع فلسطين وتفكيك حركات المقاومة للكيان الصهيونى ، واضعاف الامة العربية سياسيا واقتصاديا وعسكريا عندما ساهم بشكل اساسى فى استجلاب القوات الامريكية الى الخليج بصدور قرار الاستعانة بالقوات الامريكية عام 1990م لتحرير الكويت من القاهرة ، واطلاق يدها لتحويل الأسواق المصرية بصفة خاصة والعربية بصفة عامة الى نموذج للنظام الرأسمالي كما شكل مبارك الضمانة الرئيسية لمحاربة الحركات الاسلامية المعادية للكيان الصهيونى ، بل ومحاربة الإسلام بكل ما يحمله من قيم ومعانى ، بعد ان أصبح العدو البديل للشيوعية بالنسبة للغرب ، فكيف لامريكا والكيان الصهيونى التفريط فى مبارك الكنز الاستراتيجى والذى لم ينته دوره بعد الا بإنتهاء دورالغرب فى تدمير الامة بأسرها مبارك كان ذكيا عندما فهم عقلية القوى الغربية الكبرى ( امريكا وحلفائها ) ووضع نفسه كشريك لهم وكجزء اساسي من منظومة النظام العالمي الجديد ، وحرص على تأمين وجوده فى الحكم طوال هذه السنوات بدعم الخارج ، معتقدا ان الحلقة الأضعف فى تلك المنظومة هى الشعب المصري الذي يستطيع تقييده وتكبيله بممارسة سياسة الحديد والنار، واخضاع المؤسسات الأمنية والعسكرية تحت امرته ، وبقانون طوارىء يضمن له عدم الخروج عليه من قبل المعارضة الوطنية التى أضعفها وشتت شملها بكل الوسائل تارة بحظر تواجدها على الساحة السياسية ، وتارى بالإعتقال ، وتارة اخرى بتجفيف منابعها المالية ومصادرة املاكها ، أوبتشويه السمعة ، أو بمحو عناصرها من البرلمان عن طريق تزوير الانتخابات التشريعية والرئاسية والشورى وسيطرة حزبه على النقابات والمحليات …مما أدى الى إضعافها وانشغالها عن هموم الشعب المصرى ومعاناته بلملمة نفسها وصراعها مع النظام ولكن ما لم يحسب لها مبارك اى حساب هى تلك الإنتفاضة الشعبية التى خرجت غاضبة دون اى تنسيق مع قيادات المعارضة ، ودون حاجة لتخطيط او تنظيم ، اعتمادا منه على قوة اجهزة الأمن فى القمع التى كان يعتقد ان هرواتهم وسياطهم قادرة على قمع الشعب وحماية نظامه من اى هبة شعبية ضد حكمه وعندما فوجىء بغضب المصريين العارم يتحول ثورة على كل ما يمت للنظام بصلة ، ثورة لم تكن فى حساباته أشعل نيرانها الشعب المصرى بكل فئاته العمرية خيبت آماله فى اجهزة الشرطة وفضحت هشاشتها ، فأستعان بالجيش المصرى ( الذى يحظى بسمعة طيبة فى قلوب المصريين ) لتهدئة غضب الشارع وامتصاص حالة الاحتقان ، ثم خرج على شعبه بخطاب يتضمن خدعة لا تنطلى على المصريين الا وهى عزل الحكومة وكان الغليان الشعبى كان سببه الحكومة ، مستندا الى دعم امريكى – صهيونى !! من المؤكد ان امريكا وجدت نفسها بين خيارين اما تستلم لرغبة الشعب المصري وتتخلى عن حليفها الذي يشكل لها كنزا استراتيجيا على أعتبار انه حليف لن تجد له بديلا أو مثيلا خاصة والوضع الامريكى الراهن والسىء فى المنطقة مازال بحاجة ماسة لمن يحمى مصالحها ويدعمها فى استكمال مخططاتها فى المنطقة ، علاوة على خوف البيت الابيض من انتقال العدوى المصرية – التونسية الى باقى دول المنطقة، وفى هذه الحالة سيزيد قلقها على أمن الكيان الصهيونى واما تحاول كسب مزيد من الوقت ( للمراوغة ) وتهدأ من نبرة خطابها تجاه الشعب المصرى الثائر بالتلويح بجزرة الحريات وحقوق الانسان والاصلاحات ، والتظاهر بتقديرها لمعاناة الشعب المصرى بدعوة الأمن بالابتعاد عن ممارسة العنف ضد المصريين ، وفى النهاية دعوة مبارك الى مزيد من الاصلاحات اختارت امريكا الخيار الثانى ، وما خطاب مبارك الا بحبر امريكى – صهيونى ، كتب فى البيت الأبيض لإخراج النظام المصرى من مأزقه ومساعدته على الاستمرار فى الحكم ، وموقفها هذا يتناقض مع الموقف الذى أتخذته مع رئيس ساحل العاج ( لوران باغبو ) الذى طالبته هى وفرنسا بالتنازل عن الحكم لخصمه (الحسن واتارا ) وفرض الاتحاد الاوربي على ساحل العاج العقوبات حتى يتنحى باغبو ويخضع للارادة الشعبية .. مما يدل على ازدواجية المعايير التى تتبعها امريكا وفقا لمصالحها الشعب المصري عبر عن إرادته ورغبته فى إسقاط النظام المصرى ..وكانت الانتفاضة الشعبية بمثابة استفتاء شعبى وجماهيرى على عدم شرعية النظام المصرى وحزبه الحاكم ، وبرلمانه المزور .. الانتفاضة الشعبية التى كشفت للعالم زيف النظام وكذبه واستبداده وقمعه الغير المبرر تجاه شعب تحمل ما لا يتحمله شعب فى الكون كله .. ورغم ذلك تمت طبخة استمراره فى الحكم فى المطبخ الامريكى فى محاولة لاجبار الشعب المصرى على تجرعها خروج مبارك بخطابه الذى لا يرقى لأدنى حد من مطالب الشعب المصرى له دلالته ..فهو يدل على انه كان هناك اتفاق يشمل الأطراف التالية ( مبارك – الكيان الصهيونى – الجيش ممثلا فى وزير دفاعه محمد حسين طنطاوى ) تم بموجبه موافقة الجيش على مساندة مبارك ودعمه ( بالإضافة للدعم الامريكى – الصهيونى ) على بقاء مبارك فى الحكم مع امتصاص غضب الشارع المصرى بوعود تشمل تغيير الحكومة وبعض الإصلاحات .. وبهذا الاتفاق تكون ثورة الشعب المصرى قد اجهضت او تم وأدها فى مهدها ، ويتم إغلاق الأبواب تماما فى وجه رغبة الشعب فى التغيير …والسطو على مكتسبات الثورة الشعبية بالخديعة والمكر ان التغيير فى مصر لم ولن يكون بيد من فشل فى إحداثه على مدى ثلاثة عقود ، التغييربالداخل يواجه تحديات خطيرة ، فهو مرهون برضا اطراف خارجية ( امريكا – اسرائيل ) ولنتذكر مقولة مصطفى الفقى الذى صرح ذات يوم ان رئيس مصر القادم لابد ان يحظى بموافقة امريكا وقد كتبنا من قبل ان كامب دافيد هى الحكم والفيصل فى مسألة الحكم فى مصر ..مما يدل على ان النظام نجح فى وضع مصر ووضع نفسه ( رهينة ) لرغبات ومصالح الخارج على حساب الشعب المصرى ، وسيادة الدولة ، وان مصر لا تملك قرارها ، وكان من الممكن ان نعترف بهذا الامر الخطير لو لم تظهر قوة وارادة الشعب المصرى ليقلب موازيين المعادلة أما اليوم وقد خرج المارد المصرى من قمقمه فعلينا ان ننتصر لارادة الشعب .. ولتكن إرادته فوق ارادة من خطفوا مصر ووضعوها رهينة بين أياديهم .. على الشعب المصرى فك اسر مصر من يد مبارك وحلفائه ، وتحريرها من قبضتهم على الشعب المصري ان يستمر فى انتفاضته حتى تتحول الى ثورة حقيقية تؤدى الى التغيير الحقيقي على الشعب المصري الا تنطلى عليه أكاذيب وخداع النظام المعركة مع النظام لتحرير مصر لم تنتهي بل بدأت منذ اعلانه تحديه فى خطابه وتجاهله لارادة الشعب 2011_1_31