2011/1/13 ساعات قليلة تفصلنا عن إعلان انفصال جنوب السودان وإذا تحقق الانفصال تكون إسرائيل وأميركا قد نفذتا ماخططتاه للسودان من مشروع تقسيمي رغم جميع الخطوات التي قدمها السودان لجنوبه بغية الحفاظ على وحدته وإنهاء الحرب الجنوبية التي كلفت أكثر من مليونين ونصف مليون قتيل وأرهقت خزينة هذا البلد العربي الإفريقي الذي كان وسيبقى سلة الأمن الغذائي العربي فيما لو تسارع العرب لذلك لكنهم لم يحسنوا إلى الآن توحيد كلمتهم ورص صفوفهم في إطار استراتيجية عربية واضحة المعالم والأهداف تكون حاضنة وناظمة لعملهم العربي المشترك الذي مازالت الأجيال العربية تنتظره بفارغ الصبر.
وإذا تحقق الانفصال فإن التآمر الخارجي على السودان قد أتى بثماره كما هو الحال في مسلسل التآمر على هذه الأمة، دولة دولة على مبدأ «فرّق تسد» وكم كانت أميركا وإسرائيل والغرب الأحرص على تنفيذ هذا المبدأ لتفتيت الدول العربية الحالية إلى دويلات طائفية عشائرية تحت بنود مشروعهم الهدام الشرق الأوسط الجديد وهاهو العميد الإسرائيلي المتقاعد موشي فرجي يكشف منذ فترة قصيرة في دراسة أعدها لمركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب بعنوان (إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان) نقطة البداية ومرحلة الانطلاق يكشف فيها بوضوح المخطط الإسرائيلي الأميركي لتفتيت السودان على غرار ماطبقوه في العراق، قال فيها بوضوح: يجب التركيز على التباين العرقي الطائفي والمذهبي ليصبح السودان عاجزاً عن القيام بأي عمل ضد إسرائيل أو تقديمه الدعم لأي دولة أو جهة تناصب إسرائيل العداء، وهو يكشف بنفسه عن خفايا المساعدات الإسرائيلية للجيش الشعبي لتحرير السودان في الجنوب، ترافق هذا مع دعم أميركي أوروبي لقوى الانفصال في جنوب السودان مالياً وعسكرياً حتى بات الغرب بأكمله يتحدث في أروقته وكأن انفصال جنوب السودان قائم وينتظر ساعة الصفر وتمثل ذلك في تبني الغرب لهؤلاء الانفصاليين الذي تحدث مندوبهم في واشنطن بقوله إنه لايجد حرجاً في الإعلان منذ اليوم أن دولته المقبلة والتي لن تحمل اسم السودان ولا لغته العربية في أن تقيم أول علاقات دبلوماسية لها مع إسرائيل في حين ذهب أحد ممثلي هؤلاء الانفصاليين للتأكيد بدوره أن دولته الجديدة ستقيم علاقات حيث تجد مصلحتها أكانت المصلحة مع إسرائيل أم مع غيرها.
كذلك الحال ماكشفه مستشار الرئيس السوداني الدكتور غازي صلاح الدين من أن آخر العروض الأميركية للسودان مفادها دعوا الجنوب ينفصل ونعطيكم رخص تصدير لشركات أميركية في مجالات الزراعة والصحة واستمروا في مكافحة الإرهاب نرفع اسمكم عن لائحته وربما نرفع العقوبات عنكم بعد الانفصال، إذاً المحاولات لبتر جنوب السودان عن جسده السوداني مستمرة ولو أن محاولات الاتفاق على مابعد الانفصال بين الشمال والجنوب لن يكتب لها النجاح ذلك لأن شعب السودان العربي متمسك بوحدة وطنه السودان أرضاً وشعباً وسيادة وأن ما يصبو إليه بعض الانفصاليين الذين ارتهنوا كغيرهم للغير ما هم إلا حفنة قليلة لن تستطيع الصمود أمام قوى السودان الوحدوية إلا على خلفية دعم الغرب وإسرائيل لها وتشجيعه المطلق لتحقيق خطوة الانفصال إذ ليس كل أبناء الجنوب بطبيعة الحال انفصاليين فجون قرنق نفسه كان قد أجرى نقداً ذاتياً كبيراً واختار الوحدة في مرحلة ما ولعل غياب العرب عن دعم واحتضان السودان هو الأخطر في العملية وهو الذي شجع أعداء السودان والأمة العربية في بلوغ غايتهم وخاصة الطرف الإسرائيلي ومن يلتقي نائب رئيس البرلمان السوداني وأحد القيادات المثقفة والبارزة في الحركة الشعبية بجنوب السودان سيسمع صراحة مثل هذه القناعة.
نعم إن السودان الجريح هو حال معظم الأقطار العربية لكن خطورة الوضع فيه أنه مقبل على جولات كثيرة من إراقة الدماء تمهيداً للحدث الأخطر في أول انفصال في الجسد العربي منذ نهاية الاستعمار في القرن الماضي ولاسيما أن ثلثي الثروة السودانية تقريباً موجودة في الجنوب، وكم كانت الأمال كبيرة في أن تكون القمة العربية الإفريقية التي انعقدت مطلع الشهر الحالي في ليبيا قادرة على أن تضع حداً ولو مؤقتاً للجرح السوداني القادم لكنها للأسف هي كحال الأمة العربية الاستثنائية كانت كأنها لم تكن حيث لم تقدم للسودان سوى الدعم اللفظي لدعم وحدته وهو دعم لن يستطيع أن يؤخر أو يغيب حزمة الاحتمالات السيئة التي قد تعقبه في حال حدوث الاستفتاء على الانفصال أبرزها بالطبع ستكون حرب أخرى بين أبناء الوطن الواحد لإراقة دماء جديدة وهدر طاقات كبيرة وهو مايصبو إليه ويخطط الاستعمار الغربي والإسرائيلي لتحقيقه على حد سواء.
إذن كل الخوف من أن الأيام الأخيرة من هذا العام ستشهد القادم الأسوأ للسودان ولأمة العرب رغم أنه كان يفترض بالسودان العزل أن يكون مثالاً لإفريقيا والعالم لو نجحت جهود المحافظة على وحدته مع تنوعه رغم أنه يملك جميع مكونات النجاح لأن يكون بوتقة تنصهر فيه الآعراف والثقافات وبالانفصال سيكون الثمن البائس غالياً للجميع إذ لايوجد من العوامل الإيجابية شيء مما يراهن عليه أصحاب المشروع الانفصالي في جنوب السودان الذي بطبيعة الحال سيؤدي إلى وضع خانق ومغلق نظراً لتواجد عوامل التصادم بين الشمال والجنوب وهو ماكان يصبو إليه المشروع الغربي الداعم لانفصال الجنوب عن الشمال كي يبقى المنطقة ملتهبة في خاصرة السودان ومهلكة للجانبين بغية تدمير إمكاناتهما وثرواتهما في حروب قبلية ودينية وعرقية لن تعود إلا بالدمار والدمار على الجانبين وهذا بالطبع مايخطط له الغرب وإسرائيل.
إن خطورة انفصال الجنوب ستكون كارثة بكل معنى الكلمة فيما لو حدث دون أدنى اتفاق على عدة إجراأت وأسس متفق عليها تراعي عدم إراقة الدماء وعدم اللجوء إلى السلاح لاقتسام الموارد الطبيعية والاقتصادية والزراعية وموارد الثروة وعائدات البترول وتوزيعها بشكل عادل وماعداذلك فبطبيعة الحال سيخلق الانفصال فراغاً أمنياً وسياسياً وقانونياً وهو الأخطر والأشد كارثة على السودان الذي بالطبع سيعاني من مشكلات جمة ولاسيما في مصير النازحين من الجنوب إلى الشمال والوضع الذي سيحيط بهم والذي يبشر بمآسٍ إنسانية مفجعة إضافة إلى أن إجراأت ترحيلهم ستكلف أموالاً طائلة وتؤدي بطبيعة الحال إلى مشكلات وقلاقل للجانبين وتزيد كاهل المعاناة على جميع السودانيين. إن الحفاظ على وحدة السودان كما هو الحال الحفاظ على وحدة الأمة العربية أمر مرهون بقدرة هذه الأمة على تحمل مسؤولياتها ولاسيما وهي القادرة والمؤهلة لتكون على قدر المسؤولية فيما لو أراد قادتها أن يوصلوها إلى بر الأمان وأن يرفعوا لواء التحدي ولو لمرة واحدة كي يعاد لهذه الأمة ألقها الغابر ومجدها التليد، إنه السودان ياعرب د.رفعت سيد أحمد