حينما يغمس الصحافي قلم تحريره في بركة آسنة، فهو يختار عن وعي أن يلطخ يديه بوابل من الوسخ، حتى يصير جسده متعفنا إلى درجة يصبح معها مترهلا وبشعا وحينما ينقاد الصحافي وراء الحبال التي تجر المريدين والأتباع، يفقد حتما توازنه الطبيعي، ولن يستطيع بالتالي الوقوف على قدمين سويتين. ولما يختار الصحافي بمحض إرادته أن يلهث وراء القوافل، فلا يسعه آنذاك سوى أن ينبح وحين يتحول الصحافي إلى كائن نباح، فإنه حتما سيعض ذلك ما ينطبق اليوم، مع الأسف، على بعض الأصوات الصحفية الإسبانية التي بحت حناجرها من شدة الإفراط في النباح.. حتى أنها بدت وكأنها تتصيد أقدامنا لتعضها. فأينما وضع المغرب أقدامه، ثمة أنياب تلاحقه لتنهش لحمه فإذا أردنا أن نتحاور مع هؤلاء «الزملاء» المتربصين بنا، ونتحدث معهم من باب الحرفة وأخلاقيات المهنة، فبوسعنا أن نقول لهم الشيء الكثير، لأننا في المغرب راكمنا تجربة غنية في هذا الباب انطلاقا من إخفاقاتنا ومن انتصاراتنا في مجال الصحافة وحرية الرأي والتعبير. لكن حسبنا هنا أن نكتفي بالإشارة لهم أن ممارسة الكذب لا تتعارض مع أخلاقيات مهنة الصحافة فقط، وإنما تخرق كل أخلاقيات الكون والبشر فأي أخلاق هذه التي تذهب بأصحابها إلى التجرأ على استعمال وتوظيف براءة أطفال مجروحين وقضية شعب مضطهد واستغلال صورتهم في حدث يقع في المغرب الأقصى بعيدا عن أرض غزة؟! وأي أخلاق هذه التي تجعل من صورة لجريمة حق عام، وقعت قبل نصف عام ونيف، في مدينة الدار البيضاء التي تبعد عن مدينة العيون بأزيد من ألف كيلومترا، وسيلة «صحفية» لتلفيق الأخبار وتزييف الحقائق من أجل نية مبيتة لإظهار المغرب كبلد يقتل أبناءه في الصحراء؟! إنه استغلال بشع لمشاعر أفراد عائلة مكلومة لا زالت لم تضمد بعد جراحاتها جراء الجريمة التي أودت بحياة جزء كبير من أسرتها، والصورة المستعملة للتوظيف الدعائي الفج لا زالت راسخة بين أعين المغاربة ومواطني الدار البيضاء على وجه الخصوص.. لأن في عيون المغاربة ذاكرة بصرية لا تنسى الأحداث والوقائع لا سيما المؤلمة منها. فلماذا يصر هؤلاء على وخز جراحاتنا واستغلالها لتحقيق نزوات الحقد والكراهية؟؟ إن الأيادي الآثمة المحركة لهذه الصور، لا يمكن أن تقع في الخطإ (المعلوماتي) الخبري بهذه السذاجة. فالصور المستعملة متوفرة في الشبكة العنكبوتية على أكثر من موقع، حتى أن العائلة البيضاوية المكلومة قررت، في وقت سابق، توكيل محام للترافع عن حقها في المطالبة بإزالة الصورة البشعة للجريمة من الأنترنيت لما سبب لها انتشارها على نطاق واسع من أضرار معنوية ونفسية لا شك أن وراء الأيادي المحركة لهذه الصور داخل وخارج وكالة الأنباء «إيفي» وبعض الصحف الإسبانية، عقولا مدبرة ومدمرة ومتآمرة. لأن الأمر، هنا، لا يتعلق بإعادة تركيب أو مونطاج لصور ما لغرض ما، كما تتيح ذلك التقنيات والبرامج المعلوماتية والإلكترونية الحديثة، وكما صار متداولا ومبتذلا في بعض صحف الطروطوار في العالم، إنما هي عملية إعادة إنتاج صور حقيقية لأحداث حقيقية وقعت بالفعل في مكان ما وزمان ما، وتم إلصاقها بوعي تحريفي وبنية تلفيقية لأحداث لا علاقة لها بها. إنها صور معروفة ومنشورة ومتداولة واستعملت في حينها على الصفحات الأولى للجرائد والمواقع الإلكترونية ونقلتها تلفزات العالم بما فيها الإسبانية، وهي صور مذيلة بتعاليق تبين كنهها ومصدرها، إلا أن الصحافة الإسبانية أرادت أن تحولها بقدرة قادر إلى شهادة زور بكل وضوح واستفزاز. أو ليست هذه جريمة تعاقب عليها القوانين الإسبانية؟ أولا يحق للمغرب أن يرفع دعوى قضائية لدى العدالة الإسبانية في هذه النازلة؟ الكذب والافتراء. القذف والسب والشتم. التشنيع والتشهير. التزييف والتزوير. الادعاء والتحامل.. أهذه هي مفردات قاموس أخلاقيات مهنة الصحافة اليوم بإسبانيا؟ هذا من الناحية المهنية والأخلاقية. أما من الناحية السياسية، فدعونا نقول إن المسألة فيها شيء من حتى! سنطرقه في حديث الإثنين القادم